للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْزَنُوا على ما فاتكم، أو يفوتكم، أو أصابكم، أو يصيبكم في سبيل الله وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: والحال أنكم أعلى منهم وأغلب إن صح إيمانكم، وهذه بشارة للمؤمنين بالعلو، والغلبة، والنصر، والظفر، في العاقبة. والآية تفيد أن صحة الإيمان توجب قوة القلب، والثقة بوعد الله، وقلة المبالاة بأعدائه

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ القرح: الجراحة في الأصل فالمعنى: إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل وأذى، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك، من قتل

وجراح. أو إن نالوا منكم يوم أحد، فقد نلتم منهم قبله يوم بدر. ثم لم يضعف ذلك قلوبهم، ولم يمنعهم عن معاودتكم إلى القتال، فأنتم أولى ألا تضعفوا. والنص وإن كان بمناسبة أحد، وبمناسبة معركة، فهو أعم من أن يكون في أحد خاصة، أو في القتال خاصة. وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ أي: نصرفها، وهذه من سنن الله، يديل المؤمنين تارة، ويديل الكافرين تارة، وإن كانت العاقبة للمؤمنين، ويصرف ما في هذا العالم من نعم ونقم، فيعطي لهؤلاء تارة، وطورا لهؤلاء؛ لضروب من الحكم قد تعلم، وقد لا تعلم، ومن جملة هذه الحكم وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ، ذكر هنا أربع حكم، وذكر قبلها الواو ليفيد أن هناك حكما أخرى.

أما قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا فقد فسره ابن عباس بمعنى: لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء. وقال النسفي: وليعلم الله الذين آمنوا مميزين بالصبر والإيمان من غيرهم، كما علمهم قبل الوجود، هذه هي الحكمة الأولى لمداولة الأيام بين الناس تبيان المؤمن الذي يثبت على الإيمان في كل الظروف. والحكمة الثانية هي قوله تعالى وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ يحتمل معنيين: الأول- وهو المتبادر- ليكرم ناسا منكم بالشهادة حين يقتلون في سبيله، ويبذلون مهجهم من أجله، وفي سبيل مرضاته، والثاني ليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة. ولولا أن الأيام دول ما ظهر فضل أهل الفضل، الذين يبذلون المهج، أو يستقيمون في كل حال داعين إلى المنهج، وبعد أن ذكر هاتين الحكمتين لجعله الأيام دولا، وقبل أن يذكر الحكمتين الأخيرتين جعل بين ذلك- قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.

أي: والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان، المجاهدين الباذلين أرواحهم في سبيله. أشعر ذكر الظالمين في ختام الآية أن من ليس مؤمنا مجاهدا فهو ظالم، فالظلم هنا للنفس يدخل فيه: الكفر، والنفاق، ويدخل فيه القعود عن الجهاد، وعدم

<<  <  ج: ص:  >  >>