للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلها بالكلية كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قال مسروق وأبو الضحى، وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك له قسطه من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها .. ).

الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ فهم فضلا عن سهوهم عنها مراءون فيما يصلونه منها قال النسفي:

(والمراءاة مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار الفرائض، فمن حقها الإعلان بها)

وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قال ابن كثير: (أي لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى). أقول: وقد أحسن ابن كثير فيما قاله، فالماعون في الأصل هو ما يتعاوره الناس من قدر وفأس وقلم وأمثال ذلك، فإن كان مانعا لهذا مع أنه سيعود له فمنعه لغيره أولى وأولى. لقد فسر بعضهم الماعون بالزكاة وهو معنى بعيد، إلا أنه داخل بالأولى في الآية فهؤلاء منعوا إعارة الماعون، وتلك زكاته فمنعهم لبقية أنواع الزكاة الأولى، فإذا اتضح هذا، فلنر ما قاله النسفي في الآيات الثلاث: (يعنى بهذا المنافقين لا يصلونها سرا لأنهم لا يعتقدون وجوبها، ويصلونها علانية رياء، وقيل فويل للمنافقين الذين يدخلون أنفسهم في جملة المصلين صورة، وهم غافلون عن صلاتهم، وأنهم لا يريدون بها قربة إلى ربهم، ولا تأدية للفرض، فهم ينخفضون ويرتفعون ولا يدرون ماذا يفعلون، ويظهرون للناس أنهم يؤدون الفرائض ويمنعون الزكاة وما فيه منفعة).

[كلمة في السياق.]

١ - من سياق السورة عرفنا أن التكذيب بالدين ينبثق عنه سلوك من مواصفاته دفع اليتيم دفعا شديدا، وعدم الحض على طعام المسكين، وينبثق عنه سلوك عند المنافق من مظاهره أن يسهو عن صلاته، وإذا صلاها فإنه يكون مرائيا فيها، ومن مظاهره أن يمنع أصحابه الماعون، فالمنافقون كما وصفهم الله عزّ وجل في سورة أخرى وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ.

٢ - في مقدمة سورة البقرة وصف الله المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب، ووصف

<<  <  ج: ص:  >  >>