خيانة أي: هذه عادتهم، وكان عليها أسلافهم، كانوا يخونون الرسل، وهؤلاء يخونونك ويهمّون بالفتك بك. إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم الذين آمنوا منهم وما أقلهم.
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ. أي: اعف عن هذا القليل من أهل الإيمان، وتجاوز عما سلف منهم، فلا تؤاخدهم به، كأدبك مع المؤمنين. هذا الذي حمل عليه النسفي هذين الأمرين. أما ابن كثير فقد جعل الأمرين في اليهود ونقل قول قتادة أن هذا منسوخ بآية القتال، والحكم المستقر في هذا الموضوع أنّ اليهود إن كانوا ذمّة فخانوا حوكموا فعوقبوا بما يستحقون، وإن كانوا حربيين معاهدين فخانوا فالحرب. أو كانوا حربيين فالحرب ضمن قدرة المسلمين، وفي حدود إمكانياتهم، وحسب المصلحة، وقد يعفى عن بعض تصرفاتهم إن كانوا ذمة، إذا كانت المصلحة في ذلك، فموضوع النّسخ بعد هذا التقرير يبقى قضيّة اعتبارية بحسب سعة الفهم للنص، وبحسب محمل الآية. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الذين اجتمع لهم حسن العمل، ومراقبة الله فيه، والإخلاص لله في ذلك.
فوائد:[حول مسألة الاثني عشر نقيبا وما يستفاد منها وحول عاقبة نقض الميثاق]
١ - نقل ابن إسحاق أسماء نقباء بني إسرائيل حسب أسباطهم، وقال ابن كثير وقد رأيت في السفر الرابع (أي: سفر العدد) من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل، وأسماء ابن كثير مخالفة لما ذكره ابن إسحاق، وما نقله ابن كثير قريب من الموجود حاليا في سفر العدد، مما يدلّ على أن نسخ ما يسمّى بالتورات كانت متوافرة خلال العصور الإسلامية، وأن النقل منها وعنها كان متاحا لعلمائنا.
٢ - لاحظنا أن الاثني عشر نقيبا كانوا معيّنين تعيينا، ونلاحظ أنّ رسولنا عليه الصلاة والسلام قد طالب الأنصار ليلة العقبة الثانية أن يختاروا هم من بينهم اثني عشر نقيبا، مما يدلّ على أنّ الأصل في شريعتنا هو انتخاب القيادات، وليس تعيينها، وليس الكلام هنا في القيادات العسكرية، والأمر واسع جدا، وتحكمه قواعد متعدّدة، وإنما أشرنا هذه الإشارة هنا حتى لا يفهم فاهم أنّ التعيين في غيبة الوحي هو الأصل.
٣ - لاحظنا أن الميثاق قد أخذ على بني إسرائيل بخمسة أشياء. الصلاة، والزكاة، والإيمان بالرّسل، ونصرتهم، وفعل الخير، وأنهم عوقبوا على النقض بقسوة القلب، واللعن، وما من شئ أخذ عليهم به الميثاق إلا وقد أخذ علينا، فمن رأى من قلبه قسوة