فبنى الأمر كله على الإيمان والعمل الصالح، فهو علامة ترك الاغترار في الدنيا، وعلامة ترك الاغترار بالشيطان فقال: الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ أي فمن أجابه حين دعاه فله عذاب شديد، لأنه صار من حزبه، أي من أتباعه وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فلم يغتروا بالدنيا، ولم يجيبوا الشيطان، ولم يصيروا من حزبه بل عادوه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما فرط منهم من ذنب وَأَجْرٌ كَبِيرٌ على ما عملوه من خير وعلى مجاهدتهم،
ثمّ لما ذكر الفريقين بيّن أن السائرين في طريق الشيطان مزيّنة لهم أعمالهم الفاسدة بتزيين الشيطان، فهم يرونها حسنة أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ بتزيين الشيطان فَرَآهُ حَسَناً قال ابن كثير: يعني كالكفار والفجار يعملون أعمالا سيئة وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، أي أفمن كان هكذا قد أضله الله ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي بقدره كان ذلك فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ يعني فلا تهلك نفسك للحسرات. قال ابن كثير:(أي لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره، إنما يضل من يضل، ويهدي من يهدي، لما له في ذلك من الحجة البالغة، والعلم التامّ) إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ هذا وعيد لهم بالعذاب على سوء صنيعهم.
كلمة في السياق:[حول صلة المجموعة الأولى بمقطعها وبمقدمة السورة وبالمحور]
إن الله عزّ وجل خلق كل شئ للإنسان ليشكر، فإذا انشغل الإنسان بالنعمة عن المنعم، فذلك دليل انحراف، والشيطان هو العدو الأول للإنسان، فإذا أصبح الشيطان هو المعلم للإنسان، فذلك علامة انحراف في تفكير الإنسان وسلوكه، وهذه المجموعة التي مرّت معنا لفتت نظر الإنسان إلى هذا، وحذرته، وبيّنت له مغبة ذلك ونتيجته. وهذا المعنى الذي مر معنا في المجموعة هو المعنى المكمّل للمعنى الذي تعرّض له المقطع الأول. فالمقطع الأول دعا إلى ذكر النعمة، والبناء على ذلك، والمجموعة الأولى من هذا المقطع دعت إلى ترك الاغترار بالدنيا والشيطان، لأن ذلك يصرف الإنسان عن شكر النعمة، وصلة ذلك بمقدمة السورة واضحة. إذ مقدمة السورة ذكرت استحقاق الله للحمد، وقالت ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ .. وإذا كان هذا هو الشأن، فلا يجوز أن يصرف الإنسان صارف عن الإيمان والتوحيد والشكر لا دنيا ولا شيطان.