تمس إلا ببينة لا تقبل جدلا فقال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ أي يقذفون بالزنا الحرائر والعفائف المسلمات المكلفات، والقذف يكون بالزنا وغيره، والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقول يا زانية بدليل ذكر المحصنات عقيب الزواني، ولاشتراط أربعة شهداء بقوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ أي ثم لم يأتوا بأربعة شهود يشهدون على الزنا لأن القذف بغير الزنا بأن يقول: يا فاسق يا آكل الربا يكفي فيه شاهدان وعليه التعزير، وشروط إحصان القذف الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والعفة عن الزنا، والمحصن كالمحصنة في وجوب حد القذف فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً إن كان القاذف حرا وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً الصيغة تنفي قبول كل شهادة وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ قال ابن كثير:(أوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام (أحدها) أن يجلد ثمانين جلدة (الثاني) أنه ترد شهادته أبدا (الثالث) أن يكون فاسقا ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي بعد القذف وَأَصْلَحُوا أحوالهم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي يغفر ذنوبهم ويرحمهم قال ابن كثير:(واختلف العلماء في هذا الاستثناء هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، فترفع التوبة الفسق فقط، ويبقى مردود الشهادة- وإن تاب- أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة؟ وأما الجلد فقد ذهب وانقضى، سواء تاب أو أصر، ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف، فذهب الإمام مالك وأحمد والشافعي إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته، وارتفع عنه حكم الفسق، ونص عليه سعيد بن المسيب سيد التابعين، وجماعة من السلف أيضا، وقال الإمام أبو حنيفة: إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط؛ فيرتفع الفسق بالتوبة، ويبقى مردود الشهادة أبدا وممن ذهب إليه من السلف القاضي شريح، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومكحول، وعبد الرحمن بن زيد بن جابر. وقال الشعبي والضحاك: لا تقبل شهادته وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه أنه قد قال البهتان فحينئذ تقبل شهادته والله أعلم).
وبعد أن ذكر حكم قذف الأجنبيات بين حكم قذف الزوجات إذ للأزواج وضع خاص
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ أي يقذفون زوجاتهم بالزنا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ أي لم يكن لهم على تصديق قولهم من يشهد لهم به فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فيما رماها به من الزنا، وعلى هذا فإذا قذف أحدهم زوجته، وتعسر عليه إقامة البينة، فإن عليه أن يلاعنها كما أمر الله عزّ