في سبب نزول الآية الأخيرة يروي الإمام أحمد عن ابن عباس قال: لما حرّمت الخمر قال ناس: يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا .... إلى آخر الآية، ولمّا حولت القبلة قال ناس يا رسول الله: إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ .... وروى الإمام مسلم والترمذي والنسائي عن ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: لما نزلت لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا إلى قوله تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قيل لي أنت منهم». ومن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكون منهم؟
٤ - [المقطع يعمق معاني الهداية والضلال]
في الفقرة الأولى من هذا المقطع نهينا عن تحريم ما أحل الله، وعن الاعتداء، وفي هذه الفقرة نهينا عن الخمر والميسر، وفي كل نهينا عن نوع من أنواع الفساد في الأرض. وفي الانتهاء موافقة الميثاق الذي أخذ علينا. وفي مقام الشكر والإحسان ما يرشحنا للاهتداء بهدي الله. وفي الاعتداء ما يرشحنا للضلال. ومن ثم نجد هذا المقطع يعمّق ما به نستحق الهداية، ويحرّرنا مما به نستحق الضلال.
[كلمة في السياق]
بدأ المقطع بالنهي عن تحريم ما أحل الله لنا من الطيبات، وثنى في فقرته الثانية بتبيان أنواع من الخبائث، وتنتهي الفقرة الثانية بآية تبين نفي الجناح عن المؤمنين فيما طعموا، وذلك مقدمة للكلام عن تحريم أكل صيد البر للمحرم، وعن تحليل صيد البحر له، وذلك مضمون الفقرة الثالثة، ولأن هناك ناسا تميل طبيعتهم إلى التشدّد والرغبة في الحظر فقد جاءت الفقرة الرابعة في المقطع تقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ... وهكذا تتعانق المعاني في فقرات المقطع، وتتكامل،