يديه ما تقوم به الحجة على الخلق، أما إذا اقترح الناس الآيات مما يزيد على ما تحتاجه إقامة الحجة، فإن الله عزّ وجل إذا أجابهم إلى ذلك ثم لم يؤمنوا فإن سنته أن يهلكهم، ولقد أعطى الله رسولنا صلى الله عليه وسلم من الآيات الباهرات، والحجج القاطعات، والدلائل البينات، ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما أعطيه أي رسول آخر، ومع ذلك لم يؤمنوا بل يقترحون الآيات، وما هم بمؤمنين لو جاءت، ولو جاءت ولم يؤمنوا لأهلكوا، فمن إكرام الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لم يستجب لهم في اقتراحهم، وسنلاحظ أنه في نهاية هذه السورة سيأتي قوله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ومن مظاهر كونه رحمة للعالمين هذا الإمهال لمن خالفه، وعدم الاستئصال.
[كلمة في السياق]
لاحظنا أن الكافرين لا يؤثر فيهم الإنذار، ولا تؤثر فيهم الحجج، ورأينا أن هذا المعنى له صلة بمحور السورة من سورة البقرة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ولاحظنا في الآيات الأولى من السورة كيف أن الكافرين يفرون من الحجج إلى اقتراح الآيات، وقد بدأت الآية الأولى من هذه المجموعة بتبيان أنه
حتى ولو جاءهم ما اقترحوا فإنهم لا يؤمنون سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فليس بالإنذار يؤمنون، وليس بالآيات يؤمنون، وبعد أن ترد الآية الأولى في هذه المجموعة على آخر ما قالوه وهو اقتراحهم الآيات، فإن الآيات التالية ترد على كلامهم الأول الذي عرضه الله علينا من قبل وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ فلنعد إلى التفسير لنرى ذلك:
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا فتلك سنة الله الدائمة إذن، فلماذا يستنكرون أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا بشرا نُوحِي إِلَيْهِمْ فهم بشر كبقية البشر، إلا أنهم يمتازون عن البشر بالوحي فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أي أهل الكتاب إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك أي اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف، هل كان الرسل الذين أتوهم بشرا أو ملائكة، إن كنتم لا تعلمون شيئا عن شأنهم، فسيجيبونكم أنهم بشر، وذلك من تمام نعمة الله على خلقه؛ إذ بعث فيهم رسلا منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم، والأخذ عنهم، ولما كان قولهم هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يتضمن أنهم يتصورون أن الرسول ينبغي أن يكون من غير جنس البشر أو إذا كان من البشر فينبغي أن يكون له وضع خاص، كأن لا يأكل، ولا يشرب، ولا