ومن كتب المدراش ينقل العقاد بعض قصة إبراهيم، وبعض ما جرى بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام والنمرود، وبعض ما نقله يتفق إلى حد كبير مع ما ذكره القرآن، ولذلك فقد شكك بعضهم أن تكون هذه مترجمة عن العربية، وأيا ما كان الأمر فلا هذه الروايات ثابتة نقلا، ولا هي صالحة حتى للاستئناس لنعرف شيئا ما عن تفصيلات عصر إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو لنعرف شيئا عن الملك الذي حاجه إبراهيم.
ومن عدم ذكر القرآن الكريم لتفصيلات هذه الشئون تدرك أن العبرة المرادة من النص لا تحتاج إلى مثلها. وهذا الكلام ينطبق على النص اللاحق وغيره من أمثاله، فالله عزّ وجل الذي جعل كتابه معجزا جعله بذلك حجة على كل شئ، ولئن حاول المفسرون أن يقدموا بيانا لكثير مما أبهمه القرآن فإنهم في كثير من الأحيان لم يستندوا على ما تقوم به حجة فمثلا سنرى في تفسير الآية اللاحقة كيف أن بعض المفسرين قال عن الرجل الذي أماته الله ثم أحياه أنه حزقيال، وبعضهم قال: إنه أرميا، وبعضهم قال:
إنه عزير. وعن القرية قالوا: إنها بيت المقدس بعد تخريبها من بختنصر، والأمر كله مرجعه إلى استقراءات لنصوص كتابية، هذه النصوص نفسها لا تقوم بها حجة، فكيف إذا بنيت الأقوال على استقراءات منها.
إن من رحمة الله بهذه الأمة أن جعل الحجة على صدق كتابه قائمة في نفس كتابه، فلا ينبغي لأحد يفسر كتاب الله ألا يحتاط في شأن التفسير فيجعل للذين في قلوبهم مرض مدخلا يلجون منه للاعتراض على المسلمين.
إن كثيرين من المسلمين ولعوا في البحث عن المبهمات؛ حتى أصبح الكلام عنها مقصودا، والسؤال عنها عادة مع أن كثيرا مما أبهمه القرآن إنما أبهم لأن الفائدة فيما فصل، فتركت الاستفادة من الأصل، وصار الناس يبحثون عما لا فائدة فيه. إن العبرة في القصة الآتية عن الرجل الذي أحياه الله بعد ما أماته هي في معرفة قدرة الله على البعث، لتأكيد الإيمان باليوم الآخر، فإذا غفل القلب عن هذا، وبحث عن اسم الرجل، ولون حماره، فإنه يكون قد ترك ما من أجله خوطب إلى ما ليس مكلفا به.