قلنا إن المقطع الأول من القسم الأول من سورة البقرة والذي جاء بعد مقدمة سورة البقرة، هو مقطع الطريقين فبعد أن ذكرت مقدمة سورة البقرة أصناف الناس:
متقين، وكافرين، ومنافقين، جاء المقطع الأول ليوضح الطريق إلى التقوى، والطريق إلى الكفر والنفاق، فجاءت الآيات الخمس الأولى منه لتوضح الطريق إلى التقوى، وهي التي كانت محور سورة النساء. وبعد هذه الآيات الخمس تأتي آيتان هما محور سورة المائدة، ثم آيتان هما محور سورة الأنعام.
فالآيتان اللتان هما محور سورة المائدة، تتكلمان في الفسوق الذي هو الطريق إلى الكفر والنفاق، والآيتان اللتان هما محور سورة الأنعام تناقشان الكافرين بكفرهم، وتقيمان عليهم الحجة من خلال ظاهرتي الحياة والعناية. وإذا قلنا إن سورة النساء تكلمت في الطريق إلى التقوى، وسورة المائدة تكلمت في الطريق إلى الفسوق، فذلك في سياقهما الرئيسي، إن آيتي البقرة اللتين تشكلان محور سورة المائدة هما:
فهذا هو الطريق إلى الكفر والنفاق، نقض للعهد، وقطع لما أمر الله به أن يوصل، وإفساد في الأرض، فهؤلاء هم الفاسقون، وهم الخاسرون، وهم الكافرون، وهم المنافقون بقسميهم. وتأتي سورة المائدة لتحرر المرء من هذه الأخلاق، وتفصّل فيها، وتدعو إلى ما يقابلها. فهي تبدأ بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.
لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ*.
وفي سياق سورة المائدة يأتي قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وفي سياق السورة أيضا يأتي قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَ