نوح لنوح والمؤمنين في رد دعوتهم، وهو رد سفيه جاهل.
[فائدة]
قال ابن كثير في التعقيب على رد الكافرين المذكور آنفا:
(هذا اعتراض الكافرين على نوح عليه السلام وأتباعه، وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم، فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه، فإن الحق في نفسه صحيح،
سواء اتبعه الأشراف أو الأراذل، ولو كانوا أغنياء، ثم الواقع غالبا إنما يتبع الحق ضعفاء الناس، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته، كما قال تعالى: وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (الزخرف: ٢٣) ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان- صخر بن حرب- عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم قال له فيما قال: أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟
قال: بل ضعفاؤهم، فقال هرقل: هم أتباع الرسل، وقولهم (بادي الرأي) ليس بمذمة ولا عيب، لأن الحق إذا وضح لا يبقى للتروي ولا للفكر مجال، بل لا بد من اتباع الحق- والحالة هذه- لكل ذي زكاء وذكاء، بل لا يفكر هاهنا إلا غبي أو عيي، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنما جاءوا بأمر جلي واضح، وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم» أي ما تردد ولا تروى لأنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا فبادر إليه وسارع، وقولهم: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ هم لا يرون ذلك لأنهم عمي عن الحق، لا يسمعون ولا يبصرون، بل هم في ريبهم يترددون، في ظلمات الجهل يعمهون، وهم الأفاكون الكاذبون الأقلون الأرذلون. وفي الآخرة هم الأخسرون).
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ أي أخبروني إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي على برهان وشاهد منه يشهد بصحة دعواي، أي على يقين وأمر جلي ونبوة صادقة وهي الرحمة العظيمة من الله به وبهم، إذ جاءهم بما يحقق حكمة وجودهم وخلقهم وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ أي النبوة التي هي أعظم مظهر من مظاهر رحمة الله بخلقه، وأي رحمة أعظم من رحمة نتعرف بها على الله ورسالاته فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أي أخفيت البينة فلم تهدكم، كما لو عمي على القوم دليلهم في الصحراء فبقوا بغير دلالة، وهؤلاء لم يهتدوا إليها، ولا عرفوا قدرها، بل بادروا إلى تكذيبها وردها أَنُلْزِمُكُمُوها أي أنغصبكم