للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن، وذكر العدل تلازم، إذ لا عدل ولا حق إلا ما وافق حكم الله. وفيما بين الحق والعدل وإقامة الشهادة تلازم، إذ يضيع الحق والعدل بلا شهود عدول، وبلا أمة تحمل الحق والعدل. وفيما بين البداية والنهاية ذكرت قضايا من الحق والعدل في شئون الحياة، وفي شئون النساء، وفي شئون العقيدة، وكل ذلك بما يتناسب مع ما تدور حوله السورة من محور العبادة والتقوى، والإيمان والعمل الصالح.

[كلمة في سياق المقاطع الأربعة الأخيرة]

جاءت المقاطع الأربعة بعد آية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها، وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً.

ولو أنك تأملت المقاطع الأربعة الأولى من السورة؛ لرأيت أنها ركزت على قضايا هي أقرب إلى قضية الأمانة: الإرث، وأداء أموال اليتامى إليهم، وعدم أكل أموال الناس بالباطل، إلى الصلاة وهي أمانة في عنق الإنسان.

ولو أنك تأملت المقاطع الأربعة التالية لما سبق لرأيت أنها ركزت على قضايا هي أقرب إلى قضية الحكم، فكأن الآية إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ... كانت جسرا بين ما قبلها وما بعدها، هذا مع ملاحظة أن المقاطع الأربعة الأولى فيها ما له علاقة بالحكم، وأن المقاطع الأربعة التالية فيها ما له علاقة بالأمانة. لقد جاءت المقاطع الأربعة الأخيرة بعد آية:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وجاء المقطع الأخير ليبدأ بقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ولينتهي بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ. أي: بالعدل، فالمقطع الرابع- إذن- واضح الصلة بآية إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وعلى هذا فإننا نفهم أن المقاطع الأربعة لها صلة بالحكم بالعدل. إن الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم ولأولي الأمر، وإن الجهاد الدائم هما الطريقان الوحيدان لإقامة الحكم بالعدل.

إنه ما لم يكن المسلمون صفا واحدا، ذا قيادة واحدة، مطاعة بالحق، وما لم يكن هذا الصف على استعداد دائم للجهاد، وعلى تعبئة جزئية أو كلية، فإن العدل لن يقوم، وإن الحكم الإسلامي العادل لن يقوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>