سَمِعَتْ أي زوجة العزيز بِمَكْرِهِنَّ أي باغتيابهن لها، وقولهن ما قلنه، سميت الغيبة في هذا المقام مكرا لأنها في خفية وحال غيبة كما يخفي الماكر مكره، أو سمي قولهن مكرا لأنهن أردن من كلامهن شيئا آخر. قال محمد بن إسحاق: بل بلغهن حسن يوسف فأحببن أن يرينه فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته، ومشاهدته، فعند ذلك أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ أي دعتهن إلى منزلها لتضيفهن وَأَعْتَدَتْ وهيأت لَهُنَّ مُتَّكَأً أي ما يتكئن عليه من فرش ونمارق، قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات، مسترخيات، والسكاكين في أيديهن- كما سنرى- أن يدهشن عند رؤيته، ويشغلن عن نفوسهن، فيجرحن أيديهن وهن لا يشعرن وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وكان هذا مكيدة منها ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته، دل ذلك على أن الترف كان في تلك المرحلة موجودا. فكون الحاكمين وقتذاك هم الرعاة الهكسوس لم يحل دون أن تغرقهم مصر في نعيمها وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ يبدو أنها كانت قد وضعته في مكان لا يرينه فيه أثناء الدخول والجلوس لتتم المفاجأة فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ أي أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائق، والجمال الفائق وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أي وجرحنها، كن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهش لما رأينه، فخدشن أيديهن وكأن لسان حالها وقتذاك يقول: أنتن من نظرة واحدة فعلتن هذا، فكيف ألام أنا؟
وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تنزيها لله من صفات العجز، وتعجبا من قدرته على خلق جميل مثل يوسف ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ نفين عنه البشرية لغرابة جماله، وأثبتن له الملكية، وثبتن بها الحكم لما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان. وكأن لسان الحال يقول: وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأيناه
قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله، ولا يلام من يحب مثله، هذا منطقها، وهو منطق من لا يحجزها دين ولا عقل وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ أي بالغ في الامتناع والتحفظ، ولا يزال مستزيدا منهما، ثم قالت تتوعده وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ من إعطائي مرادي منه لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ أي من المذلين المهانين، مع السراق والسفاك والأباق في السجن، كما سرق قلبي وأبق مني وسفك دمي بالفراق، فلا يهنأ له ثم طعام أم شراب أو نوم، كما منعني هنا كل ذلك. ومن لم يرض بمثلي في الحرير على السرير أميرا، فليكن في السجن على الحصير حسيرا.
فلما سمع يوسف تهديدها قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ أي من ركوب المعصية أي الفاحشة، ولم قال يدعونني