والعين المفتوحة والحسّ المتوفز والقلب البصير، ترى الحسن والإحسان في هذا الوجود بتجمعه؛ وتراه في كل أجزائه وأفراده. والتأمل في خلق الله حيثما اتّجه النظر أو القلب أو الذهن، يمنح الإنسان رصيدا ضخما من ذخائر الحسن والجمال، ومن إيقاعات التناسق والكمال، تجمع السعادة من أطرافها بأحلى ما في ثمارها من مذاق؛ وتسكبها في القلب البشري؛ وهو يعيش في هذا المهرجان الإلهي الجميل البديع المتقن، يتملّى آيات الإحسان والإتقان في كل ما يراه وما يسمعه وما يدركه في رحلته على هذا الكوكب. ويتّصل من وراء أشكال هذا العالم الفانية بالجمال الباقي.
ولا يدرك القلب شيئا من هذا النعيم في رحلته الأرضية إلا حين يستيقظ من همود العادة، ومن ملالة الألفة. وإلا حين يتسمّع لإيقاعات الكون من حوله، ويتطلّع إلى إيحاءاته. وإلا حين يبصر بنور الله فتتكشّف له الأشياء عن جواهرها الجميلة كما خرجت من يد الله المبدعة. وإلا حين يتذكر الله كلما وقعت عينه أو حسّه على شئ من بدائعه؛ فيحس بالصلة بين المبدع وما أبدع؛ فيزيد شعوره بجمال ما يرى وما يحس، لأنه يرى حينئذ من ورائه جمال الله وجلاله.
إن هذا الوجود جميل. وإن جماله لا ينفد. وإن الإنسان ليرتقي في إدراك هذا الجمال والاستمتاع به إلى غير ما حدود. قدر ما يريد. وفق ما يريده له مبدع الوجود.
وإن عنصر الجمال لمقصود قصدا في هذا الوجود. فإتقان الصنعة يجعل كمال الوظيفة في كل شئ يصل إلى حد الجمال. وكمال التكوين يتجلى في صورة جميلة في كل
عضو، وفي كل خلق .. انظر .. هذه النحلة. هذه الزهرة. هذه النجمة. هذا الليل.
هذا الصبح. هذه الظلال. هذه السحب. هذه الموسيقى السارية في الوجود كله.
هذا التناسق الذي لا عوج فيه ولا فطور!
إنها رحلة ممتعة في هذا الوجود الجميل الصنع البديع التكوين؛ يلفتنا القرآن إليها لنتملّاها، ونستمتع بها؛ وهو يقول: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ .. فيوقظ القلب لتتّبع مواضع الحسن والجمال في هذا الوجود الكبير .. ).