[تفسير المجموعة الخامسة من المقطع الثاني]
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا أي في اللوح المحفوظ لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ثم فسّر الكلمة بقوله
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ أي في الدنيا والآخرة، وقد تقدّم بيان نصرتهم على من كذّبهم وخالفهم
وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ بأن تكون لهم العاقبة قال النسفي: (والمراد الموعد بعلوّهم على عدوهم في مقام الحجاج، وملاحم القتال في الدنيا، وعلوّهم عليهم في الآخرة، وعن الحسن ما غلب نبي في حرب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في العقبى، والحاصل أن قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة، وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة والعبرة للغالب).
وإذا كان الأمر كذلك
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ أي فأعرض عنهم إلى مدة يسيرة أي اصبر على أذاهم لك، وانتظر إلى وقت مؤجّل، فإنا سنجعل لك العاقبة والنصرة والظفر، وقد كان ذلك في بدر، وفتح مكة، وغيرها
وَأَبْصِرْهُمْ أي أبصر ما ينالهم يومئذ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ذلك قال النسفي: وهو للوعيد دون التبعيد، أو انظر إليهم إذا عذّبوا فسوف يبصرون ما أنكروا، أو أعلمهم فسوف يعلمون. وقال ابن كثير: أي أنظرهم وارتقب ماذا يحل بهم من العذاب والنّكال بمخالفتك وتكذيبك، ولهذا قال تعالى على وجه التهديد والوعيد فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ أي قبل حينه
فَإِذا نَزَلَ العذاب بِساحَتِهِمْ أي بمحلتهم ودارهم فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ صباحهم
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ قال ابن كثير: تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك. وقال النسفي: وإنما ثنّى ليكون تسلية على تسلية، وتأكيدا لوقوع الميعاد إلى تأكيد، وفيه فائدة زائدة: وهي إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول، وأنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرّة، وأنواع المساءة، وقيل: أريد بأحدهما عذاب الدنيا، وبالآخر عذاب الآخرة
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ أي ذي العزّة التي لا ترام قال النسفي: (أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها، وكأنه قيل ذو العزة ...
ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد إلا وهو ربها ومالكها) عَمَّا يَصِفُونَ أي عن قول هؤلاء المعتدين المفترين من نسبتهم إليه تعالى الولد والصاحبة والشريك. قال ابن كثير: ينزّه تبارك وتعالى نفسه الكريمة، ويقدّسها ويبرّئها عمّا يقول الظالمون