من غير ذلك جائز كتمه، لا سيما إن كان مع ذلك خوف. فإن ذلك آكد في الكتمان. وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال:«حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم» أخرجه البخاري.
قال أبو عبد الله: البلعوم مجرى الطعام. قال علماؤنا: وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل، إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن. والنص على أعيان المرتدين والمنافقين ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى.
٦ - هناك اتجاه في تفسير قوله تعالى وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. أن المراد بذلك دواب الأرض. ويشهد لهذا الاتجاه حديث حسن رواه ابن ماجه. قال القرطبي: «قد جاء بذلك خبر رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قال: دواب الأرض. اه.
أقول: والحديث في حال ثبوته لا ينفي العموم عن الآية. بل يدخل في هذا العموم دواب الأرض. إذ يمكن أن يكون ذلك منه عليه الصلاة والسلام بيان لشئ يدخل في هذا العموم. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ. في هذا المقطع كما رأينا صدر الأمر لهذه الأمة- بعد أن استكملت فيما مضى وجودها المتميز كأمة- أن تستعين بالصبر والصلاة، ثم أمرت أن تصف الشهيد بالحياة، ثم حضت على الاسترجاع عند المصيبة، ثم صدر لها الأمر بصيغة التقرير أن تسعى بين الصفا والمروة، ثم صدر لها الأمر بصيغة التقرير أن لا تكتم الحق الذي أنزله الله عليها، ثم يصدر لها الأمر هنا بصيغة تقرير ألا تكفر. فمن خلال الأوامر المباشرة. والتقريرات الحاسمة تبني سورة البقرة هذه الأمة شيئا فشيئا. وتبني شخصية المسلم كذلك.
[المعنى الكلي]
تخبر الآيتان عمن كفر بالله واستمر به الحال على الكفر إلى أن مات، أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأنهم خالدون في هذه اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة. ثم المصاحبة لهم إلى نار جهنم التي لا يخفف عنهم عذابها فتنقص ولا يفتر ولا يغير ولا يؤجل. بل هو متواصل دائم.
[المعنى الحرفي]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أي: استمروا على الكفر حتى ماتوا عليه.