وكم من روح من أرواح الخلائق التي نعلمها أو نجهلها متوفّاة. وكم من ملك يعرج بأمر من روح الله؟ وكم من روح يرف في هذا الملكوت لا يعلمه إلا الله؟
ثم كم من قطرة بخار صاعدة من بحر، ومن ذرة غاز صاعدة من جسم؟ وكم وكم مما لا يعلمه سواه؟!
كم في لحظة واحدة؟ وأين يذهب علم البشر وإحصاؤهم لما في اللحظة الواحدة ولو قضوا الأعمار الطوال في العدّ والإحصاء؟ وعلم الله الشامل يحيط بهذا كله في كل مكان وفي كل زمان .. وكل قلب وما فيه من نوايا وخواطر وما له من حركات وسكنات تحت عين الله، وهو مع هذا يستر ويغفر .. وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ.
وإن آية واحدة من القرآن كهذه الآية لمما يوحي بأن هذا القرآن ليس من قول البشر).
كلمة في السياق:[حول صلة مقدمة السورة بسورة الأنعام وبالمحور]
أخبرنا الله عزّ وجلّ في مقدّمة السورة عن استحقاقه للحمد؛ لأنه المالك، والعليم، والحكيم، والخبير، والرّحيم، والغفور، فموضوع وجوده عزّ وجلّ بديهية، وموضوع حمده وشكره بديهية، وهذه المقدمة التي تأتي بين يدي مناقشة أقوال الكافرين تشعر أنّ كفر الكافرين، وعدم شكر الجاحدين في غير محله، هذا بالنّسبة لمحلّ المقدّمة في سياق السورة. أمّا محلّ هذه المقدّمة بالنسبة للسّياق العام، فإنّ السورة تفصّل في محور سورة الأنعام كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ التي تفيد: أنّ الكفر مستنكر، ومتعجب منه، وتأتي مقدّمة السورة هنا لتبين بأن الله عزّ وجل يستحق الحمد بدل الكفر.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهو يستحق الحمد على ذلك كله؛ لنعمه وكماله، فكيف يكفره الكافرون، ولا يشكره الجاحدون!
فمقدّمة السّورة تبيّن ما يستحقه الله عزّ وجل لكماله وإنعامه، فالصلة بين محور السورة والمقدمة واضحة، والصلة بين مقدّمة السورة ومقاطعها كذلك واضحة، فلننتقل إلى المقطع الأول.