وللرسول في كل شئ، وصف الله حالهم الأول- حال مقامهم بمكة- قليلين مستخفين مضطهدين، يخافون أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد الله، من مشرك ومجوسي ورومي، وكلهم أعداء لهم لقلتهم وعدم قوتهم، فلم يزل ذلك دأبهم حتى أذن الله لهم في الهجرة إلى المدينة، فآواهم إليها، وقيض لهم أهلها أووا ونصروا يوم بدر وغيره، وواسوا بأموالهم، وبذلوا مهجهم في طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله في قوله تعالى: واذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الأرض قال: (كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا، وأبينه ضلالا، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات منهم ردي في النار. يؤكلون ولا يأكلون. والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كان أشر منزلا منهم، حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد.
ووسع به في الرزق. وجعل به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر. وأهل الشكر في مزيد من الله» يفهم من هذا أن قتادة اعتبر هذا الخطاب خطابا عاما للعرب، وهو اتجاه طيب إذا أريد به العرب المؤمنون يوم لم يكن غيرهم يحمل هذا الإسلام، على أن الخطاب فيما يبدو لأهل الإيمان بعد بدر، وهو خطاب يشمل كل حالة مشابهة إلى قيام الساعة.
[فوائد]
١ - الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيهما حياة الإسلام وحياة المسلمين. وقد جاء هذا التوجيه حاضا على الجهاد، مخوفا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مذكرا بحال المؤمنين قبل القتال، وحالهم بعده، والإشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً يشير إلى أن مما يكمل الأمر بالقتال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا) بيان هذا وتفصيله، وفي هذا التوجيه- الذي هو التوجيه الثالث في هذا المقطع- رأينا كيف أن على المسلمين أن يسارعوا إذا دعوا للقتال من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا دعوا من قبل الأئمة من بعده، أو الأمراء، وبهذا نكون قد أدركنا محل هذا التوجيه ضمن هذا المقطع بما يتفق مع السياق، ولكنا كنا ذكرنا أن وجوب الاستجابة لله والرسول صلى الله عليه وسلم ليس في هذا الشأن فقط. بل هو في كل شئ، وإن كنا فهمنا من السياق خصوصية هذا النداء في شأن القتال، ولذلك نلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استشهد بهذه الآية في مقام آخر كدليل على