إن المسلم لا يصدر في كل عمل إلا عن فتوى بصيرة من أهلها، وحالات الضرورة والاضطرار تقدر بقدرها، وما يعتبر أمانة أو غير أمانة، وما يعتبر حقا للمسلم أو غير حق، وما يعتبر إكراها أو غير إكراه، وما هو ملزم من الأيمان وما ليس ملزما بسبب من الإكراه، إلى غير ذلك من أمور، كله تحكمه- كما قلنا- الفتوى البصيرة من أهلها.
[كلمة في السياق]
بدأ هذا القسم بدعوة أهل الكتاب إلى عبادة الله وتوحيده، وترك الطاعة في معصيته، وناقشهم فيما يزعمونه من ولاية إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم بين لأهل الإيمان رغبة أهل الكتاب في إضلالهم، وبعض طرائقهم في هذا الإضلال. وفي هذا السياق جاءت الفقرة الثالثة، تبين ما عليه بعض أهل الكتاب من خيانة للأمانة، إلى خيانة في العهود، ونكث للأيمان، وتحريف لكتاب الله- عزّ وجل- وبعد هذه الجولة من الحوار والبيان، يعود السياق في الفقرة الرابعة إلى ما بدأ به القسم من قضية التوحيد والربوبية كما سنرى:
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ. .. وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً. ثم لاحظ صلة ذلك بالقسم الثاني الذي تحدث عن المسيح عليه الصلاة والسلام، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من تحديد بداية القسم الثالث ونهايته، وصحة ما ذهبنا إليه في أن القسم الأول والثاني بمثابة المقدمة للقسم الثالث، وسيأتيك في هذا كله مزيد بيان.
ومن استمرارية القسم الثالث من خلال ما رأيناه من صلة بين بدايته والفقرة الرابعة التي ستأتي معنا، ندرك أن ما مر معنا حتى الفقرة الرابعة له صلة بقضايا التوحيد،