للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي هو أصل البلاء. وفي ذلك كله نرى كيف أن القرآن في غاية البيان والوضوح، وفي غاية الفصاحة والبلاغة. وفي غاية العلو في إقامة الحجة، وفي غاية الحكمة في معالجة الباطل وتقرير الحق. فالسورة نموذج كامل على اتصاف القرآن بالخصائص التي ذكرتها بداية السورة. ومن ثم يتقرّر أنّ هذا القرآن لا ريب فيه، وأنّه من عند الله، ومن ثم ندرك الصلة بين السورة ومحورها من سورة البقرة وهو: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا .. : فالقرآن منزل من عند الله لا شك في ذلك، والحجة قائمة، ومع ذلك يكفرون، وبدلا من أن يؤمنوا بالله والرسول والقرآن فإنهم يعترضون على الله في إنزاله القرآن، وهو المعنى الأول الذي ورد قوله تعالى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. فلنر تتمة المقطع.

وَقالُوا معترضين على الله الذي أنزل القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلم لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ مكة والطائف عَظِيمٍ أرادوا بالعظيم من كان ذا مال وجاه، ولم يعرفوا أن العظيم من كان عند الله عظيما، قال ابن كثير: أي هل كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين؟ يعنون مكة والطائف) وبعد أن ذكر ابن كثير أسماء مرشحيهم لهذا المنصب- في زعمهم كما سنذكرها في الفوائد- قال: والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان. قال الله تعالى وتبارك ردا عليهم

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ أي: النبوة، والاستفهام للإنكار المتلبس بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة. قال ابن كثير:

أي ليس الأمر مردودا إليهم بل إلى الله عزّ وجل، والله أعلم حيث يجعل رسالاته. فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبا ونفسا، وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصلا. ثم قال عزّ وجل مبيّنا أنّه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، فقال: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ أي:

ما يعيشون به، وهو أرزاقهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال النسفي: أي لم نجعل قسمة الأدون إليهم وهو الرزق فكيف النبوة؟. أو كما فضّلت البعض على البعض في الرزق فكذا أخصّ بالنّبوة من أشاء وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ أي: جعلنا البعض أغنياء وأقوياء وأسيادا والبعض غير ذلك. وجعلنا البعض أذكياء وعقلاء، والبعض غير ذلك، وهكذا. ثمّ بين الله عزّ وجل الحكمة في هذا التفاوت فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>