الأول: أنّ المراد بالفساد هنا هو ما يترتب على المعاصي والشرك من آثار سيئة ثمرتها العذاب والحياة النكد.
والثاني: أن المراد به نقص البركات في البر والبحر. وقد رجّحنا الأول أثناء التفسير. وقد قال ابن كثير في الآية: أي بأن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي.
وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة. ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود:«لحدّ يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا»، والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكف الناس، أو أكثرهم، أو كثير منهم عن تعاطى المحرمات، وإذا تركت المعاصي كان سببا في حصول البركات من السماء والأرض. ولهذا إذا نزل عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير، وكسر الصليب، ووضع الجزية: وهو تركها؛ فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدّجال وأتباعه، ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض أخرجي بركتك، فيأكل من الرمانة الفئام من الناس، ويستظلون بقحفها، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس، وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة محمد صلّى الله عليه وسلم، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير. ولهذا ثبت في الصحيحين «أن الفاجر إذا مات يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب».
بمناسبة قوله تعالى: وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن كثير:
وروى ابن أبي حاتم ... عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ما من امرئ مسلم، يردّ عن عرض أخيه، إلا كان حقا على الله أن يردّ عنه نار جهنّم يوم القيامة».
٤ - [بعض مظاهر نصرة الله للمؤمنين]
رأينا في بداية السورة مظهرا من مظاهر نصر الله وهو الغلبة العسكرية، ومن سياق قوله تعالى: وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ نفهم أن من مظاهر نصر الله الانتقام المباشر من الكافرين. ومن الحديث الذي ذكرناه في الفائدة السابقة نفهم