فإذا كانت المسألة هكذا، وإذا كان حال الأناجيل الأربعة كذلك. والمفروض أن تكون حقا خالصا فما حال غيرها، ومن ثم تعرف الروايات المذكورة في الأناجيل لا تساوي شيئا من حيث قيمتها التاريخية، فهي تسجيل لوجهة نظر بعد أن حدث الاختلاف الهائل في شأن المسيح وأمه عليهما السلام. ووجهة النظر المسجلة وجهة نظر بولس ومدرسته التي هي على نقيض كامل لما كان عليه تلاميذ المسيح الحقيقيين. ومن ثم نجد أن بولس نفسه في رسائله المعتمدة عند نصارى اليوم يذكر أنه اختلف مع أكبر تلاميذ المسيح وهاجمه، كما اختلف مع برنابا نفسه الرجل الصالح، وللأسف فمدرسة بولس هي المدرسة التي انتصرت في تاريخ النصرانية، وأتلفت وثائق كل
وجهة نظر أخرى تختلف مع وجهتها.
ومن ثم فإن هذه المدرسة ورجالها ورواياتها مرفوضة ممروضة، وجاء القرآن ليوضّح الحق ويقرره في شأن المسيح وأمه عليهما السلام
٢ - [مقارنة بين دقة التصوير الفني للقرآن والسنة بما جاء في الأناجيل]
تتحدث الأناجيل المحرفة الحالية عن يحيى عليه السلام. وإنجيل لوقا من بينها يتحدث عن زكريا وزوجته العاقر وحملها بيحيى وما رافق ذلك من احتباس لسانه، والصلة بين زكريا ومريم. وبين مريم وزوجة زكريا مع اختلاف وزيادات ونقص عما ورد. وقد جعل الله عزّ وجل لنا في القرآن غنية عما سواه. فما ورد في الكتاب والسنة هو الحكم الفصل، وهو وحده الكافي، وهو وحده الحق.
أخرج ابن جرير بسنده إلى ابن عباس. قال:«إني لأعلم خلق الله لأي شئ اتخذت النصارى المشرق قبلة لقول الله تعالى: انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا واتخذوا ميلاد عيسى قبلة».
٤ - [ما ذكره ابن كثير في شأن مريم عليها السلام وتعليق المؤلف عليه]
قال ابن كثير في شأن مريم عليها السلام:
ذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك وهو جبرائيل عليه السلام في جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج، فحملت بالولد بإذن الله تعالى، فلما حملت ضاقت ذرعا، ولم تدر ماذا تقول للناس، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به، غير أنها أفشت سرّها وذكرت أمرها لأختها امرأة زكريا، وذلك أن زكريا عليه السلام كان قد سأل الله الولد فأجيب إلى ذلك. فحملت امرأته فدخلت عليها مريم فقامت إليها فاعتنقتها وقالت أشعرت يا مريم أنّي حبلى؟ فقالت لها مريم وهل علمت أيضا أني حبلى وذكرت لها شأنها وما كان خبرها، وكانوا بيت إيمان وتصديق، ثم كانت امرأة زكريا بعد ذلك إذا واجهت مريم تجد الذي في بطنها يسجد