وأخ موات على السراء والضراء، ومن عانى أمر الدعوة إلى الله عرف أهمية هذه الدعوات، فبدون شرح الصدر لا يستطيع الإنسان أن يقوم بالدعوة إلى الله، ولا أن يتحمل لأواءها أبدا، وبدون تيسير الأمر ينكسر قلب الداعية إلى الله، وبدون طلاقة لسان لا تقوم الحجة، ولا يوصل إلى المقصود، وبدون أخ موات مؤازر في السراء والضراء يستشار وتبث الشكوى إليه يحس الداعية بغربة هائلة محزنة، ولذلك فقد ورد أن رسولنا عليه الصلاة والسلام دعا بهذه الدعوات.
قال الألوسي:(وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بمثل هذا الدعاء، إلا أنه أقام عليا كرم الله تعالى وجهه مقام هارون عليه السلام، فقد أخرج ابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر عن أسماء بنت عميس قالت:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزاء ثبير وهو يقول:
أشرق ثبير، أشرق ثبير، اللهم إني أسألك مما سألك أخي موسى، أن تشرح لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن تحل عقدة لساني يفقه قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا». ولا يخفى أنه يتعين هنا حمل الأمر على أمر الإرشاد، والدعوة إلى الحق، ولا يجوز حمله على النبوة، ولا يصح الاستدلال بذلك على خلافة علي كرم الله تعالى وجهه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل. ومثله فيما ذكر ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام له حين استخلفه في غزوة تبوك على أهل بيته! «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» كما بين في التحفة الاثنى عشرية، نعم في ذلك من الدلالة على مزيد فضل علي كرم الله تعالى وجهه ما لا يخفى).
[فائدة]
من كلام موسى عليه السلام عند ما سأل الله أن يؤيده بأخيه نفهم أدب الأخوة في الله، والغاية منها، فالأدب شد الأزر، والاشتراك في الأمر، والهدف ذكر الله، وتسبيحه، فما لم يتحقق بالأخوة كثرة الذكر، لا تكون أخوة خالصة في الله، وإذا كان لها هدف آخر غير ذلك فليست أخوة في الله. ولنعد إلى السياق:
فبعد أن من الله عزّ وجل على موسى بإعطائه سؤله ذكره بنعمه عليه من قبل؛ لتبقى ثقته بالله مطلقة فيما يأتي، لأنه بدون الثقة المطلقة بالله لا يستطيع رجل الدعوة أن يستمر. فقال: وَلَقَدْ مَنَنَّا أي أنعمنا عَلَيْكَ مَرَّةً أي كرة أُخْرى أي قبل هذه،
ثم فسرها فقال: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ إلهاما أو مناما حين ولدت وكان