للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان كذلك لا يصلح للاستجابة إلى الحق، وهذا يفيد أن على النبي صلى الله عليه وسلم البلاغ. والآية تنكر على كل من اتبع الهوى وعبد غير الله ومن أولئكم من كان يعبد الأصنام من العرب الذين كانوا كما قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول

أَمْ تَحْسَبُ أي بل أتحسب أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا أفاد التركيب أن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها، وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا، ولا إلى تدبره عقلا، فهم يشبهون الأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلالة، فقد ركبهم الشيطان بالاستذلال لتركهم الاستدلال. ثم هم أرجح ضلالة منها، لأن الأنعام تسبح ربها وتسجد له، وتطيع من يعلفها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسئ إليها، وتطلب ما ينفعها وتتجنب ما يضرها، وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم، من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الروي، وقال ابن كثير في الآية: (أي هم أسوأ حالا من الأنعام السارحة، فإن تلك تفعل ما خلقت له وهؤلاء خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له فلم يفعلوا، وهم يعبدون غيره ويشركون به، مع قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم) وقال النسفي: (وإنما ذكر الأكثر لأن فيهم من لم يصده عن الإسلام إلا حب الرئاسة، وكفى به داء عضالا، ولأن فيهم من آمن). وبعد أن أثبت الله عزّ وجل في الآيتين أن كل من عبد غير الله فهو عابد هوى، وأن أكثر هؤلاء لا عقول لهم ولا أسماع، وأنهم أضل من البهائم لفت النظر إلى مظاهر قدرته وأدلة توحيده. قال ابن كثير من هاهنا شرع سبحانه وتعالى في بيان الأدلة الدالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة:

أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ أي ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ أي بسطه وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي دائما ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا يعرف بها الظل، ولولا الشمس لما عرف الظل، فالأشياء تعرف بأضدادها

ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً أي قليلا خفيفا. وفي هذا المقام معجزة من أعظم المعجزات القرآنية إذ بها إشارة إلى موضوع الانكسار الضوئي. وهو موضوع سنراه في الفوائد، قال النسفي: وجاء بثم لتفاضل ما بين الأمور، فكأن الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني، ولا شك أن أعظم الثلاثة بالتدليل على عظمة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>