يوقدون وهي أبسط ما يقع تحت أبصارهم من مألوفات حياتهم، كذلك يصور لهم لحظة النهاية. نهاية الحياة على هذه الأرض وبدء الحياة في العالم الآخر. اللحظة التي يواجهها كل أحد، والتي تنتهي عندها كل حيلة، والتي تقف الأحياء وجها لوجه أمام القدرة المطلقة المتصرفة وقفة فاصلة. لا محاولة فيها ولا مجال. حيث تسقط جميع الأقنعة وتبطل جميع التعلات.
إن طريقة القرآن في مخاطبة الفطرة البشرية تدل بذاتها على مصدره. إنه المصدر الذي صدر منه الكون. فطريقة بنائه هي طريقة بناء الكون، فمن أبسط المواد الكونية تنشأ أعقد الأشكال، وأضخم الخلائق. الذرة يظن أنها مادة بناء الكون، والخلية يظن أنها مادة بناء الحياة. والذرة على صغرها معجزة في ذاتها، والخلية على ضآلتها آية في ذاتها.
وهنا في القرآن يتخذ من أبسط المشاهدات المألوفة للبشر مادة لبناء أضخم عقيدة دينية وأوسع تصور كوني .. المشاهدات التي تدخل في تجارب كل إنسان: النسل. والزرع والماء. والنار. والموت .. أي إنسان على ظهر هذه الأرض لم تدخل هذه المشاهدات في تجاربه؟ أي ساكن كهف لم يشهد نشأة حياة جنينية، ونشأة حياة نباتية. ومسقط ماء. وموقد نار. ولحظة وفاة؟ ..
من هذه المشاهدات التي رآها كل إنسان ينشئ القرآن العقيدة، لأنه يخاطب كل إنسان في كل بيئة. وهذه المشاهدات البسيطة الساذجة بذاتها هي أضخم الحقائق الكونية، وأعظم الأسرار الربانية، فهى في بساطتها تخاطب فطرة كل إنسان وهي في حقيقتها موضوع دراسة أعلم العلماء إلى آخر الزمان .. )
هذا بعض شأن القرآن فمن أين يستطيع الإنسان أن يأتي بسورة من مثل سور القرآن؟ وكيف يبقى مع هذا الإعجاز شك بهذا القرآن؟
ولننتقل إلى المجموعة الثانية من المقطع الثاني:
[المجموعة الثانية]
بعد أن قامت عليهم الحجة في المجموعة الأولى وتبين استحقاقهم للضلال بسبب ما هم عليه من خسة الصفات، تأتي الآن المجموعة الثانية لتبين قضية، وتجيب على سؤالين. القضية هي: ما أعد لهم في الدنيا والآخرة:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ أي كأنهم لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا أو في القبور إِلَّا