عرفنا ممّا مر أن الله وحده هو الوكيل؛ ولأنّه هو الخالق، ولأنّه هو المالك، ولأن الأرضين قبضته يوم القيامة، والسّماوات مطويات بيمينه يوم القيامة، ومن ثمّ فإنّه وحده المستحق للعبادة، والمستحق للشكر، وأنّ من يشرك به خاسر وحابط عمله، وكون الله عزّ وجل هو الوكيل فإنه سيحاسب من رفض هدايته ورفض كتابه، ومن ثمّ تبدأ المجموعة تعرض لنا مشهدا من مشاهد يوم القيامة، تذكر فيه كيف سيفعل الله عزّ وجل بالمتقين الذين اهتدوا بكتابه، والكافرين الذين رفضوا كتابه.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ أي: مات مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قال النسفي: (أي: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل هم حملة العرش، أو رضوان والحور العين ومالك والزبانية) وسنرى تحقيق هذا الموضوع في الفوائد، وسنرى في سورة المؤمن القادمة تفصيلا آخر ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى أي:
ثم نفخ في الصور نفخة أخرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ قال النسفي:(يقلبون أبصارهم في الجهات، نظر المبهوت إذا فاجأه خطب، أو ينظرون أمر الله فيهم، ودلت الآية على أن هناك نفختين: الأولى للموت، والثانية للبعث، والجمهور على أنها ثلاث: الأولى للفزع، كما قال تعالى: يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ والثانية للموت والثالثة للإعادة).
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها أي: وأضاءت، وهل المراد بالنور العدل، أو المراد نور يخلقه الله عزّ وجل يوم القيامة، وأضافه إلى ذاته تشريفا لإضاءة الأرض؟، قولان للمفسرين. قال ابن كثير: (أي: أضاءت يوم القيامة إذا تجلّى الحقّ جلّ وعلا للخلائق لفصل القضاء وَوُضِعَ الْكِتابُ أي: كتاب الأعمال وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ ليسألهم ربهم عن تبليغ الرسالة، وما أجابهم قومهم وَالشُّهَداءِ أي: الحفظة من الملائكة وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي: بين العباد بِالْحَقِّ أي: بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ شيئا
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ أي: جزاءه وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ من غير كتاب ولا شاهد
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً أي: أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض