وأما القسم الثاني في السورة فيمتدّ من الآية (٩٥) حتى نهاية السورة أي نهاية سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح، وروى الحاكم بإسناد قال عنه صحيح على شرط مسلم، عن جابر، قال لما نزلت سورة الأنعام سبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال:
لقد شيّع هذه السورة من الملائكة ما سدّ الأفق». وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سدّ ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح، والأرض بهم ترتجّ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
سبحان الله العظيم. سبحان الله العظيم». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نزلت عليّ سورة الأنعام جملة واحدة، وشيّعها سبعون ألفا من الملائكة، لهم زجل بالتسبيح والتحميد». وروى سفيان الثوري ... عن أسماء بنت يزيد قالت: نزلت سورة الأنعام على النّبي صلّى الله عليه وسلّم جملة وأنا آخذة بزمام ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة». وفي رواية أخرى عن أسماء قالت: نزلت سورة الأنعام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في مسير في زجل من الملائكة وقد نظموا ما بين السماء والأرض».
أقول: وحول كون السّورة نزلت بمكة كلها دفعة واحدة، أو أن بعض آياتها نزلت في المدينة خلاف كبير، مرجعه إلى الاختلاف في قوة بعض الروايات. وقد رجّح صاحب الظلال، كما رجح غيره من قدماء المفسرين، أنها نزلت جملة واحدة في مكة، وناقش آخرون في ذلك، وسيمر معنا في عرض السورة شئ مما له صلة بذلك.
[كلمة في أقسام السورة ومقاطعها]
تتألف سورة الأنعام من قسمين:
القسم الأول ويمتدّ حتى نهاية الآية (٩٤) بدايته بداية السورة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ونهايته قوله تعالى وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.
لاحظ أن الآية الأولى في القسم الأول تتحدث عن الشرك في الدنيا، وأن الآية الأخيرة تتحدث عن حال الشرك وأهله يوم القيامة.