الملك على الحقيقة له، لأنه مبدئ كل شئ والقائم به، وكذا الحمد؛ لأن أصول النعم وفروعها منه، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء، وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده. اه النسفي، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال ابن كثير: أي:
مهما أراد كان بلا ممانع ولا مدافع، وما لم يشأ لم يكن
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ قال ابن كثير: أي: هو الخالق لكم على هذه الصفة، وأراد منكم ذلك، فلا بد من وجود مؤمن وكافر، قال النسفي: أي: فمنكم آت بالكفر وفاعل له، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له، ويدل عليه قوله تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قال ابن كثير: أي: وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال، وهو شهيد على أعمال عباده، وسيجزيهم بها أتم الجزاء، وقال النسفي:(أي: عالم وبصير بكفركم وإيمانكم، اللذين هما من عملكم والمعنى: هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من العدم، وكان يجب أن تكونوا بأجمعكم شاكرين، فما بالكم تفرقتم أمما، فمنكم كافر ومنكم مؤمن، وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم، وهو رد لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين، وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية، ومنكم مؤمن به). والله بعملكم النابع عن كفركم أو إيمانكم بصير
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ قال ابن كثير: أي:
بالعدل والحكمة، وقال النسفي: أي: بالحكمة البالغة وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ قال ابن كثير: أي: أحسن أشكالكم، وقال النسفي:(أي: جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور، ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب، ولكن الحسن على طبقات، فصورة الإنسان غير خارجة عن حد الحسن، وقالت الحكماء:
شيئان لا غاية لهما: الجمال والبيان) وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي: المرجع والمآل فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم،
ثم أخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السماوية والأرضية، ومكنونات الضمائر وما تظهره فقال: يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ قال النسفي:
(نبه بعلمه ما في السموات والأرض، ثم بعلمه بما يسره العباد ويعلنونه، ثم بعلمه بذات الصدور أن شيئا من الكليات والجزئيات غير خاف عليه فحقه أن يتقى ويحذر، ولا يجترئ على شئ مما يخالف رضاه، وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد، وكل ما ذكره بعد قوله: فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ في معنى الوعيد على الكفر