وَرَبُّكَ الْغَفُورُ أي البليغ المغفرة ذُو الرَّحْمَةِ أي الموصوف بالرحمة وعلامة رحمته عدم تعجيل العذاب لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ فعدم تعجيله العذاب دليل رحمته ومغفرته، فإنه يحلم ويستر ويغفر ويمهل، ولكن من كمال رحمته أنه لا يهمل. فالرحمة الدائمة في الكافرين متعبة للمؤمنين الذين هم عباده وأولياؤه، ومن ثم فلكل كافر موعد بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا أي ليس لهم عنه محيص ولا محيد ولا معدل، وكمثال على ذلك فعله في الأمم السالفة والقرون الخالية
وَتِلْكَ الْقُرى أي أصحابها أَهْلَكْناهُمْ بسبب كفرهم لَمَّا ظَلَمُوا أي حين ظلموا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً أي جعلناه إلى مدة معلومة، ووقت معيّن، لا يزيد ولا ينقص، أي وضربنا لإهلاكهم وقتا معلوما، لا يتأخرون عنه، فتلك سنته تعالى. فليحذر الكافرون في كل زمان ومكان.
[كلمة في المقطع]
لو أردنا أن نترجم هذا المقطع لأوامر لفهمنا منه الأوامر التالية:
١ - اتخذوا الله وليا، ولا تتخذوا الشيطان وليا، ولا تشركوا بالله شيئا.
٢ - اهتدوا بهدى القرآن ولا تجادلوا بالباطل لتدحضوه.
٣ - آمنوا بالله واستغفروه.
٤ - لا تسخروا بآيات الله ولا تستهزءوا بنذره.
٥ - لا تعرضوا عن آيات الله، ولا تنسوا ذنوبكم.
إلا أنها جاءت في السياق بصيغة الإنذار ليظهر بها نوع من خصائص هذا القرآن المذكور في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ.
ونلاحظ أن هذا المقطع جاء في وسط السورة بعد ضرب أمثال كثيرة، فكأن هذا المقطع جاء ليقرّر مجموعة الأوامر التي تعالج الأمراض التي تحدثت عنها السورة، والتي تنبع كلها من موضوع تزيين الحياة الدنيا. فالشيطان هو الذي يزين الحياة الدنيا؛ فلا تتخذوه وليا، وتزيين الحياة الدنيا يرافقه إعراض عن الآيات، ونسيان للذنوب؛ فلا تعرضوا، ولا تنسوا ذنوبكم، والمخلص من تزيين الحياة الدنيا هو الإيمان بالله، والاستغفار، والاهتداء بهدى القرآن، فآمنوا، واستغفروا، واهتدوا. وهذا كله يقتضي تسليما لله تعالى يتمثّل بالتسليم لهذا القرآن. فلا تجادلوا واستسلموا. وكل ذلك قد صيغ بأسلوب القرآن المعجز، الذي تظهر في كل مجموعة منه مجموع خصائص