بعقولهم، حتى يبقوا على أنفسهم ويرحموها من شدائد ذلك اليوم، بامتثال ما أمرهم به ربهم، من الأخذ بلباس التقوى، الذي يؤمنهم من تلك الأفزاع، إن الساعة أمر عظيم، وخطب جليل، وطارق مفظع، وحادث هائل، وكائن عجيب، بما يحصل للنفوس من الرعب والفزع،
قال تعالى واصفا شدة أفزاعها: يَوْمَ تَرَوْنَها أي يوم ترون الزلزلة أو الساعة تَذْهَلُ أي تغفل من فظاعة الأمر، ومن شدة الدهشة كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ أي فتشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها، وعمن هي أشفق الناس عليه، ألا وهو رضيعها، إنها تدهش عنه في حال إرضاعها، وقوله تعالى مُرْضِعَةٍ يشير إلى أن ذلك الهول إذا حدث وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه، لما يلحقها من الدهشة، فالمرضعة هي التي تمارس الإرضاع وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ أي كل حبلى حَمْلَها أي قبل تمامه لشدة الهول، قال الحسن البصري: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام وَتَرَى أي الناظر النَّاسَ سُكارى أي من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه، قد دهشت عقولهم، وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى وَما هُمْ بِسُكارى على التحقيق وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فخوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم، وطير تمييزهم، وردهم في نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه،
وبعد أن أمر الله بالتقوى، وعلل لهذا الأمر، وهيج عليه، يذكر الآن الصارف الرئيسي عنها وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي علم صحيح كحال أهل البدع والضلال، المعرضين عن الحق، المتبعين للباطل، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رءوس الضلالة، الدعاة إلى الكفر والبدع بالأهواء والآراء وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ أي عات مستمر في الشر
كُتِبَ عَلَيْهِ أي قضي على الشيطان أَنَّهُ أي أن الأمر والشأن مَنْ تَوَلَّاهُ أي اتبعه وقلده فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ أي فإن الشيطان يضله عن سواء السبيل وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ أي إلى النار والمعنى: كتب على الشيطان إضلال من تولاه وهدايته إلى النار.
والسعير: هو الحار المؤلم المقلق المزعج.
[كلمة في السياق]
أمرت الآيات بالتقوى، وعللت لضرورة إقامتها، وذكرت ما يصرف الناس عنها، وهو الجهل في الله واتباع الشيطان، والذي دلنا على أن الجهل في الله هو الصارف هو قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ دل ذلك على أن هذا المجادل جاهل في