للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قال الألوسي رحمه الله في تقديمه لسورة الروم]

(مكية، كما روي عن ابن عباس، وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، بل قال ابن عطية، وغيره: لا خلاف في مكيتها، ولم يستثنوا منها شيئا، وقال الحسن:

هي مكية إلا قوله تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ الآية، وهو خلاف مذهب الجمهور، والتفسير المرضي كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه. وآيها ستون، وعند بعض تسع وخمسون. ووجه اتصالها بالسورة السابقة على ما قاله الجلال السيوطي أنها ختمت بقوله تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وافتتحت هذه بوعد من غلب من أهل الكتاب بالغلبة والنصر، وفرح المؤمنين بذلك، وأن الدولة لأهل الجهاد فيه، ولا يضرهم ما وقع لهم من قبل ذلك من هزيمة، هذا مع تواخيها لما قبلها في الافتتاح ب (الم) ولا يخفى أن قتال أهل الكتاب ليس من المجاهدة في الله عزّ وجل، وبذلك تضعف المناسبة، ومن وقف على أخبار سبب النزول ظهر له أن ما افتتحت به هذه السورة متضمنا نصرة المؤمنين بدفع شماتة أعدائهم المشركين، وهم لم يزالوا مجاهدين في الله تعالى ولأجله ولوجهه عزّ وجل، ولا يضر عدم جهادهم بالسيف عند النزول، وهذا في المناسبة أوجه فيما أرى من الوجه الذي ذكره الجلال. فتأمل).

وقال صاحب الظلال في تقديمه للسورة:

(نزلت الآيات الأولى من هذه السورة بمناسبة معيّنة. ذلك حين غلبت فارس على الروم فيما كانت تضع يدها من جزيرة العرب. وكان ذلك في إبان احتدام الجدل حول العقيدة بين المسلمين السابقين إلى الإسلام في مكة قبل الهجرة والمشركين .. ولما كان الروم في ذلك الوقت أهل كتاب، دينهم النصرانية، وكان الفرس غير موحّدين، ديانتهم المجوسية، فقد وجد المشركون من أهل مكة في الحادث فرصة لاستعلاء عقيدة الشرك على عقيدة التوحيد، وفألا بانتصار ملة الكفر على ملة الإيمان.

ومن ثمّ نزلت الآيات الأولى من هذه السورة تبشّر بغلبة أهل الكتاب من الروم في بضع سنين غلبة يفرح لها المؤمنون، الذين يودّون انتصار ملّة الإيمان من كل دين.

ولكن القرآن لم يقف بالمسلمين وخصومهم عند هذا الوعد، ولا في حدود ذلك الحادث. إنما كانت هذه مناسبة لينطلق بهم إلى آفاق أبعد وآماد أوسع من ذلك الحادث الموقوت، وليصلهم بالكون كله، وليربط بين سنة الله في نصر العقيدة السماوية والحق

<<  <  ج: ص:  >  >>