سنوات قلائل في عهد الرومان. وكانت هذه هي معجزة البعث الإسلامي لنفوس الأقباط في مصر وللنفوس في كل مكان- حتى لمن لم يعتنقوا الإسلام- كانت هذه هي معجزة هذا البعث الذي يستنقذ الأرواح من ركام آلاف السنين من الذل القديم، فتنتفض هكذا انتفاضة الكرامة التي أطلقها الإسلام في أرواحهم، وما كان غير الإسلام ليطلقها في مثل هذه الأرواح.
عملية استصلاح نفوس بني إسرائيل من ذل الطاغوت الفرعوني هي التي سيواجهها موسى عليه السلام في هذه الحلقة- بعد خروجه ببني إسرائيل من مصر وتجاوزه بهم البحر- وسنرى من خلال القصص القرآني هذه النفوس، وهي تواجه الحرية بكل رواسب الذل، وتواجه الرسالة بكل رواسب الجاهلية، وتواجه موسى عليه السلام بكل الالتواءات والانحرافات والانحلالات والجهالات التي ترسبت فيها على مر الزمن الطويل.
وسنرى من خلال متاعب موسى عليه السلام متاعب كل صاحب دعوة، يواجه نفوسا طال عليها الأمد، وهي تستمرئ حياة الذل تحت قهر الطاغوت وبخاصة إذا كانت
هذه النفوس قد عرفت العقيدة التي يدعوها إليها، ثم طال عليها الأمد، فبهتت صورتها، وعادت شكلا لا روح فيه.
إن جهد صاحب الدعوة- في مثل هذه الحال- لهو جهد مضاعف. ومن ثم يجب أن يكون صبره مضاعفا كذلك .. يجب أن يصبر على الالتواءات والانحرافات، وثقل الطبائع وتفاهة الاهتمامات، ويجب أن يصبر على الانتكاس الذي يفاجئه في هذه النفوس بعد كل مرحلة، والاندفاع إلى الجاهلية عند أول بادرة.
ولعل هذا جانب من حكمة الله في عرض قصة بني إسرائيل على الأمة المسلمة، في هذه الصورة المفصلة المكررة- لترى فيها هذه التجربة. كما قلنا من قبل- وإن فيها زادا لأصحاب الدعوة إلى الله في كل جيل».
[المعنى العام]
يبدأ المقطع بالإخبار عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزوا البحر وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، عند ما مروا على عباد أصنام إذ طلبوا من موسى أن يجعل لهم أصناما يعبدونها كما يعبد هؤلاء أصنامهم، فرد عليهم