للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واصفا إياهم بالجهل. وأي جهل أفظع من الجهل بعظمة الله وجلاله، وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل. ثم بين لهم أن هذا الذي عليه هؤلاء هالك وعملهم باطل. ثم ذكرهم موسى بنعم الله عليهم من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره، وما كانوا فيه من الهوان والذلة، وما صاروا إليه من العزة والاستعلاء على عدوهم، والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه وغرقه ودماره. وما أكرمهم به من تفضيل على عالمي زمانهم، فكيف يطلب لهم ربا غير الله، وقد فعل لهم كل هذا؟ ذكرهم بأقرب الأشياء إليهم لأنها أقرب الحجج عليهم. وإلا فمثل موسى لا يطلب ربا سوى الله، ولا يدعوهم إلى رب سوى الله. فضلهم أو لم يفضلهم. أنجاهم من ظلم فرعون. أو أبقاهم. فله الأمر من قبل ومن بعد. ومن بداية المقطع نشعر كيف يتسرب الانحراف، وكيف يبدأ وكيف يكون. فها هي أمة ترى المعجزات التي رأتها، ومع ذلك فإنها تطلب أن يكون لها أصنام تعبدها من دون الله. ورسولها بين أظهرها، وأرجلها لم تكد تجاوز البحر الذي رأت في سيرها فيه وانشقاقه لها أعظم معجزة.

ثم يقص الله عزّ وجل علينا ما أتم به النعمة على موسى وقومه، إذ أنزل عليهم الألواح في خلوة موسى مع ربه على الطور. وماذا فعلوه من الانحراف الجديد خلال غيبته.

فذكر تعالى ممتنا على بني إسرائيل بما حصل لهم من الهداية، بتكليمه موسى عليه السلام، وإعطائه الألواح، وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم. فذكر أنه واعد موسى ثلاثين ليلة. ثم أمره تعالى أن يكمل بعشر أربعين. فلما عزم موسى على الذهاب إلى الطور، استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، ووصاه بالإصلاح وعدم الإفساد، من باب تحقيق التواصي، وإلا فإن هارون رسول ونبي شأنه الإصلاح وعدم الإفساد. فلما جاء موسى لميقات الله وحصل له التكليم من الله، سأل الله تعالى أن ينظر إليه. فبين الله له أنه لا يمكن أن يراه في الدنيا، وعوضه عن الرؤية بأن أمره أن ينظر إلى الجبل فإذا رأى الجبل مستقرا عند تجلي الله على الجبل فعندئذ يمكن أن يراه، فلما تجلى الله للجبل ساخ الجبل وانهد، وخر موسى مغشيا عليه من هول ما رأى، فلما أفاق من صعقه بدأ يسبح الله وينزهه، والتسبيح في هذا المقام يفيد تنزيه الله عن أن يراه أحد في الدنيا. ثم ثنى بالتوبة مما سأل. وثلث بالإعلان عن نفسه أنه أول المؤمنين من قومه، أو أول المؤمنين بأنه لا يرى الله أحد من خلقه. فقال الله لموسى في هذا المقام مذكرا إياه بنعمه عليه إذ اصطفاه على أهل زمانه برسالاته تعالى وبكلامه، آمرا إياه أن يأخذ ما آتاه الله من الكلام والوحي والمناجاة، وأن يكون من الشاكرين على ذلك، وألا يطلب ما

<<  <  ج: ص:  >  >>