للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا طاقة له به.

ثم أخبر تعالى بعد أن أمره بأخذ ما آتاه بأنه قد أعطاه الألواح التي كتب له فيها من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ. وهناك اتجاهان للمفسرين المسلمين في هذه الألواح: الاتجاه الأول الذي يقول: إن هذه الألواح هي التوراة. فالتوراة متضمنة فيها، والاتجاه الثاني: أن الألواح أوتيها موسى قبل التوراة، وعلى كل فإنها كانت كالتعويض له عما سأله من الرؤية ومنع منه. وبعد أن أعطاه إياها أمره أن يأخذها بعزم على الطاعة، فيأخذ نفسه بأشد ما يأمر به قومه. وأمره أن يأمر قومه أن يعملوا بها.

وبعد ذلك قال له: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ التي تحتمل وعيدا، كما يقول الواعظ لمن يخاطبه: سأريك غدا إلى ما يصير إليه حال من خالف أمري، على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره. فيكون المعنى: سترون عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب. وتحتمل أن تكون وعدا بإعطائهم أرض الشام وهو أقوى ما تحمل عليه الآية. ثم بين الله عزّ وجل سنته في أنه يحول بين قلوب أهل الكبر وبين آياته فلا يرونها، بأن يمنع قلوب هؤلاء أن تفهم الحجج، والأدلة الدالة على عظمته وشريعته وأحكامه؛ بسبب كبرهم عن طاعة الله وتكبرهم على الناس بغير حق. فبسبب ذلك يعاقب الله هؤلاء بصرفهم عن فهم أسراره حتى إنهم لو رأوا كل آية لا يؤمنون، وإن يظهر لهم سبيل الرشد- سبيل النجاة- لا يسلكونها. وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا. تلك سنته تعالى في المتكبرين في كل عصر ومصر أن يصرفهم عن رؤية آياته. وما ذلك إلا بسبب تكذيبهم لهذه الآيات وغفلتهم عنها، ثم بين تعالى جزاء من كذب بآياته واستمر على ذلك حتى الممات، كيف أن الله يحبط عمله وذلك جزاؤه على ما أسلفه من كفر.

وبينما موسى عليه السلام يتلقى هداية ربه ويناجيه، كان قومه يسيرون في طريق الكفر. ومن ثم أخبرنا الله في هذا السياق عما فعلوه في حال غيبته، إذ أخبرنا عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلا بالغا حد الروعة في الصنعة،

حتى إنه ليصوت إذا دخلت فيه الريح كالبقر فافتتنوا به، ورقصوا حوله، وجعلوه إلها، ذاهلين عن خالق السموات والأرض، ورب كل شئ ومليكه، بأن عبدوا معه عجلا جسدا له خوار لا يكلمهم ولا يرشدهم إلى خير، ولكن غطى على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلال وقد أدركوا فيما بعد عظيم خطئهم، وندموا على ما فعلوا، وعرفوا أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>