يطارده الله، ويقذف عليه بالحق فيدمغه. ولا بقاء لشئ. يطارده الله، ولا حياة لشئ تقذفه يد الله فتدمغه.
ولقد يخيل للناس- أحيانا- أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العليم الخبير. وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشا كأنه غالب. ويبدو فيها الحق منزويا كأنه مغلوب. وإن هي إلا فترة من الزمان، يمد الله فيها ما يشاء، للفتنة والابتلاء. ثم تجري السنة الأزلية الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض، وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء.
والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده، وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه، وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه .. فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حينا من الدهر عرفوا أنها الفتنة، وأدركوا أنه الابتلاء، وأحسوا أن ربهم يربيهم، لأن فيهم ضعفا أو نقصا، وهو يريد أن يعدهم لاستقبال الحق المنتصر، وأن يجعلهم ستار القدرة، فيدعهم يختارون فترة البلاء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف .. وكلما سارعوا إلى العلاج قصر الله عليهم فترة الابتلاء، وحقق على أيديهم ما يشاء .. أما العاقبة فهي مقررة: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ.
[كلمة في السياق]
إن علة إعراض الكافرين وغفلتهم هي جهلهم بالله وفساد تصوراتهم عن حكمة خلقه السموات والأرض، إنهم يجهلون أن الله لا يلهو ولا يعبث، ويجهلون جلاله وعظمته، ويجهلون أن من شأنه وسنته أن يبطل الباطل ويهلكه، وأن من شأنه أن يعبد ويقدس، ولو أنهم عقلوا هذه المعاني ما أعرضوا ولا غفلوا، ولا أنكروا إرساله الرسل، ولا أنكروا إنزاله الكتب والوحي، فلنتأمل صلة هذه الآيات ومعانيها بمقدمة السورة:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ لم يغفلون ويعرضون؟ إنهم غافلون معرضون؛ لتصورهم أن هذه السموات والأرض خلقت عبثا، ولولا هذا لأدركوا أنهم محاسبون فلم الإعراض، ولم الغفلة؟!، ثم لو أدركوا أن من شأن الله أن يقذف بالحق على الباطل، ما أعرضوا ولا غفلوا ولما استمعوا الذكر وهم يلعبون وقلوبهم لاهية، ولو عرفوا أن كل من في السموات والأرض ملكه، ولو عرفوا عبادة