ولا تبال بما يقولونه فيك، فإنهم هم أهله ولست أهله. قال النسفي في الآية الأخيرة:
(أي من أبغضك من قومك بمخالفتك لهم هو الأبتر المنقطع).
[كلمة في السياق]
١ - رأينا أثناء عرضنا للسورة صلة آيات السورة ببعضها، ورأينا في الكلمة التي قدمنا بها لسورة الكوثر بعض صلاتها بمحورها، ونتكلم عن هذه الصلات مرة ثانية:
دعا الله عزّ وجل بعد مقدمة سورة البقرة الناس جميعا لعبادته، وقد بينت سورة الكوثر مظهرين من مظاهر العبادة، وهما: إخلاص الصلاة لله عزّ وجل، وإخلاص النحر لله عزّ وجل، وذلك من خلال توجيه الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العليا للناس جميعا، فكأن السورة تقول: إذا لم يستجب الناس للأمر فاستجب أنت أيها الرسول، فقد أعطيناك الكثير، وجعلنا لك العاقبة، فإذا كفر الناس النعم العامة فاشكر أنت الله عزّ وجل على النعم العامة والخاصة، بأنواع العبادة والإخلاص فيها.
٢ - في الآيتين الآتيتين بعد مقدمة سورة البقرة أمر ونهي. الأمر اعْبُدُوا والنهي فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وقد رأينا كيف أن المفسرين فهموا من صيغة قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أن ذلك أمر بالصلاة والنحر، وأمر بالإخلاص فيهما لله عزّ وجل، إذ تقديم الجار والمجرور على الأمر بالنحر يفيد الاختصاص، وهو يفيد الإخلاص، ففي السورة تفصيل لقضايا عبادية توحيدية. اعبد الله بالصلاة والنحر، ولا تشرك بالله في صلاتك ونحرك، ولذلك صلته بمحور السورة.
٣ - يبقى أن تعرف ما الصلة بين سورة الكوثر وما قبلها؟ لقد أمرت سورة قريش قريشا بعبادة الله عزّ وجل وجاءت سورة الماعون لتبين موقف الكافرين من الخير عامة.
وموقف المنافقين من الصلاة والخير، وتأتي سورة الكوثر لتفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخطاب في الصلاة والنحر، مذكرة بنعم الله الخاصة عليه، وفي ذلك
تعليم وتبيان أنه إن أعرض خلق عن الخير وفعله، ورفضوا طاعة أوامر الله عزّ وجل، فإن هناك من يستجيب على الكمال لذلك، ومن أجل أمثال هؤلاء تنزل الشرائع مهما كان عدد المعرضين كثيرا، وبمناسبة هذه السورة نحب أن نسجل ملاحظة حول إعجاز القرآن.