للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبادة والتقوى، والمقطع الذي بين أيدينا أبطل عبادة غير الله، وها هو السياق الآن يتوجه إلى المؤمنين ليطالبهم بأنواع من العبادة، كلها ضروري للتحقق بالتقوى فلنر ذلك.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا أي في صلاتكم وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ بطاعته في كل ما أمر وَافْعَلُوا الْخَيْرَ كله قال النسفي: (قيل: لما كان للذكر مزية على غيره من الطاعات، دعا المؤمنين أولا إلى الصلاة التي هي ذكر خالص، لقوله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه: ١٤) ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحج وغيرهما، ثم عم بالحث على سائر الخيرات، وقيل أريد به (أي بالخير) صلة الأرحام ومكارم الأخلاق) لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي كي تفوزوا أو افعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح، غير مستيقنين، ولا تتكلوا على أعمالكم

وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ أي وجاهدوا في ذات الله، ومن أجله، حق جهاده قال ابن كثير:

أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم. وقال النسفي في تفسير الجهاد حق الجهاد:

(وهو ألا يخاف في الله لومة لائم) هُوَ اجْتَباكُمْ أي اختاركم لدينه ونصرته قال ابن كثير: (أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع) وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أي من ضيق بل رخص لكم في جميع ما كلفكم، من الطهارة والصلاة والحج والصوم، بالتيمم وبالإيماء، وبالقصر، والإفطار لعذر السفر، والمرض، وعدم الزاد والراحلة مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ أي اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم، أو أعني بالدين ملة إبراهيم عليه السلام. قال النسفي: (وسماه أبا- وإن لم يكن أبا للأمة كلها- لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبا لأمته، لأن أمة الرسول في حكم أولاده قال عليه الصلاة والسلام:

«إنما أنا لكم مثل الوالد») هُوَ أي الله سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ في الكتب المتقدمة وَفِي هذا أي في القرآن أي فضلكم على سائر الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أنه قد بلغكم رسالة ربكم وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بتبليغ الرسل رسالات الله إليهم والمعنى: إنما جعلناكم هكذا أمة وسطا عدولا خيارا مشهودا بعدالتكم عند جميع الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس، لأن جميع الأمم معترفة يومئذ بسيادتكم وفضلكم على كل أمة سواكم، فلهذا تقبل شهادتكم عليهم يوم القيامة، في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم، والرسول صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>