وإذ كان الولد هو أحب الخلق إلى الوالد فإن يوصي لقمان ابنه بما سيأتي فإن هذا يفيد أن هذه الوصايا هي ذروة الحكمة؛ إذ لا يوصي أب ابنه إلا بأغلى ما عنده:
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ أي واذكر إذ قال لقمان لابنه وَهُوَ يَعِظُهُ أي في حالة وعظه له يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ قال ابن كثير:
أي هو أعظم أنواع الظلم. وقال النسفي: لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه، ومن لا نعمة له أصلا
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ أي حملته وهي تهن وهنا على وهن، أي تضعف ضعفا فوق ضعف، أي يتزايد ضعفها ويتضاعف؛ لأن الحمل كلما ازداد أو عظم ازدادت ثقلا وضعفا وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أي فطامه عن الرضاع لتمام عامين أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ هذا تفسير للوصية، أي وصيناه بشكرنا وبشكر والديه، وفصل بين الوصية ومضمونها بالتذكير بما تكابده الأم وتعانيه من المشاقّ في حمله وفصاله هذه المدّة الطويلة؛ تذكيرا بحقّها العظيم مفردا إِلَيَّ الْمَصِيرُ أي مصيرك إليّ، وحياتك عليّ، فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء
وَإِنْ جاهَداكَ أي إن حرصا عليك كلّ الحرص عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي ما ليس له صفة الألوهية، أي وإن حرصا على أن تتابعهما على دينهما الباطل فَلا تُطِعْهُما أي فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا محسنا إليهما، ومن ثمّ قال: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً قال النسفي: (أي صحابا معروفا حسنا، بخلق جميل، وحلم واحتمال، وبر وصلة) وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ قال ابن كثير: يعني المؤمنين. وقال النسفي:(أي واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه، وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا). وقال ابن عطاء: صاحب من ترى عليه أنوار خدمتي ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي مرجعك ومرجعهما فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما.
[كلمة في السياق]
يلاحظ أن هاتين الآيتين جاءتا في ثنايا وصايا لقمان عليه السلام ككلام مستأنف لله عزّ وجل فما حكمة ذلك؟
قال النسفي: (وقد اعترض بهاتين الآيتين على سبيل الاستطراد تأكيدا لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك يعني: إنا وصيناه بوالديه، وأمرناه ألا يطيعهما