تالف. هؤلاء العميان لم يكفهم أنهم عميان، بل يبذلون الجهود ليفتنوا أهل الإبصار، ويحرفوهم، بل يحاولون اضطهاد أهل الإبصار ليخرجوهم من ديارهم. وهذان هما موضوعا الفقرتين التاليتين، وهما يأتيان في معرض الكلام عن تأييد الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتثبيته وعصمته، وسلامته من شر الأشرار، وكيد الفجّار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه، بل هو وليّه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره.
قال تعالى: وَإِنْ كادُوا أي وإنهم قاربوا لَيَفْتِنُونَكَ أي يخدعونك فاتنين عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من أوامرنا ونواهينا، ووعدنا ووعيدنا لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ أي لتتقوّل علينا ما لم نقل وَإِذاً أي ولو اتبعت مرادهم لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي: لكنت لهم وليا وخرجت من ولايتي
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا أي ولولا تثبيتنا وعصمتنا، لقاربت أن تميل إلى مكرهم ركونا قليلا
إِذاً أي لو ركنت إليهم أدنى ركون لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ أي عذاب الحياة مضاعفا وَضِعْفَ الْمَماتِ أي وعذاب الآخرة مضاعفا والتقدير: لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة، وعذابا ضعفا في الممات.
ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً أي معينا لك يمنع عذابنا عنك
وَإِنْ كادُوا وإنهم قاربوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ أي ليزعجونك بعدوانهم ومكرهم مِنَ الْأَرْضِ من أرض مكة، أو من أرض العرب لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ أي بعدك إِلَّا قَلِيلًا أي إلا زمانا قليلا، فإن الله مهلكهم
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا أي تبديلا، أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا، وآذوهم بالإخراج من بين أظهرهم، يأتيهم العذاب، والمعنى: أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم. وقد يتساءل متسائل ألم يخرجوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ والجواب: إنه هاجر وخرج بأمر ربه، ومن ثم لم يستأصلوا، أو أن ما حدث لهم يوم بدر كان عذابا يقابل فعلهم. أو أن أرض العرب واحدة، فالانتقال من مكة إلى المدينة لا يعتبر إخراجا.
[كلمة في السياق]
النعمة ينبغي أن يقابلها شكر، والشكر: هو القيام بالتكليف، والقيام بالتكليف: هو