وكلها سفه، وكلها في غير محلها؛ وكلها لا حجة فيها، فعجبهم في غير محله، وطلبهم تغيير القرآن أو تعديله في غير محله، وكذلك كثير من شئونهم، ومن ذلك:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ إن لم يعبدوه وَلا يَنْفَعُهُمْ إن عبدوه.
أليس هذا هو العجب يرفضون أن يعبدوا الله، ويعبدون خلقه، يرفضون أن يعبدوا من ينفع ومن يضر، ويعبدون ما لا ينفع ولا يضر. وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ هذا منطق المشركين وفلسفتهم في الشرك، فهم مثبتون لوجود الله الذي لا ينكره عاقل أصلا، ولكنهم يشركون بعبادته، وهو الحقيق بالعبادة وحده، ويفلسفون ما هم عليه، وهذه هي فلسفة كل مشرك، سواء أشرك بالله صنما أو بشرا أو غير ذلك، حتى الذين يشركون عيسى أو نبيا آخر أو وليا هذه فلسفتهم، ويأتي الجواب قُلْ لهم أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ أي أتخبرونه بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إذ لو كان له شريك لعلمه. قال ابن جرير معناه: أتخبرون الله بما لا يكون في السموات ولا في الأرض، وقال النسفي تفسيرا للآية: أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو إنباء بما ليس بمعلوم لله، وإذا لم يكن معلوما له- وهو عالم بجميع المعلومات- لم يكن شيئا. وقوله:
في السموات ولا في الأرض تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما معدوم. ثم نزه نفسه الكريمة عن شركهم وكفرهم فقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي عن الشركاء الذين يشركونهم به، أو عن إشراكهم، وهكذا حطم فلسفتهم التي- من أجلها ومن أجل الدفاع عنها- حاربوا الوحي، وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا القرآن،
ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس بعد أن لم يكن، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد هو الإسلام. قال ابن عباس:(كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام) ثم وقع الاختلاف بين الناس، وعبدت الأصنام والأنداد والأوثان، فبعث الله الرسل بآياته وبيناته وحججه البالغة، وبراهينه الدامغة وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً أي حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا، وذلك إما في عهد آدم- والقرون العشرة بعده- أو بعد الطوفان حين لم يبق على الأرض من الكافرين ديار- على أحد القولين- فَاخْتَلَفُوا أي فصاروا مللا، منهم أهل الحق، ومنهم أهل الباطل وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهي تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ عاجلا فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أي فيما اختلفوا فيه ولميز المحق من المبطل. قال ابن كثير: أي لولا ما تقدم من الله تعالى أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، وأنه قد أجل الخلق إلى أجل معدود، لقضي بينهم فيما