بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عزّ وجل، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن، ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم واتّبعته، فجعل صلّى الله عليه وسلم يتتبّع حجر نسائه يسلّم عليهن، ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر.
فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب، ووعظ القوم بما وعظوا به لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الآية كلها.
ورواه مسلم والنسائي. وقد روى البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم فتقول:
زوّجكنّ أهاليكن، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. وقدمنا في سورة النساء عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: تفاخرت زينب وعائشة رضي الله عنهما فقالت زينب رضي الله عنها: أنا التي نزل تزويجي من السماء. وقالت عائشة رضي الله عنها:
أنا التي نزل عذري من السماء. فاعترفت لها زينب رضي الله عنها. وروى ابن جرير عن الشعبي قال: كانت زينب رضي الله عنها تقول للنبي صلّى الله عليه وسلم: إني لأدلي عليك بثلاث: ما من نسائك امرأة تدلي بهن: إن جدي وجدك واحد، وإني أنكحنيك الله عزّ وجل من السماء، وإن السفير جبريل عليه الصلاة والسلام).
١١ - [كلام ابن كثير حول آية لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ .. وتعليق المؤلف]
بمناسبة قوله تعالى: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً قال ابن كثير: (أي إنما أبحنا لك تزويجها، وفعلنا ذلك؛ لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنّى زيد بن حارثة رضي الله عنه فكان يقال زيد بن محمد.
فلما قطع الله تعالى هذه النسبة بقوله تعالى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ إلى قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ثم زاد ذلك بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول الله صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها لما طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه. ولهذا قال تعالى في آية التحريم: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء: ٢٣] ليحترز من الابن الدّعي فإنّ ذلك كان كثيرا فيهم).
أقول: لاحظنا من هذه الفائدة ومما سبقها أن هناك ثلاث قضايا في هذه السورة مترابطة فيما بينها: قضية تحريم التبني الوارد في أول السورة، وموضوع نكاح الرسول