بدأت السورة بقوله تعالى طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى * اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. ثم قصة موسى، وبعد ذلك يأتي قوله تعالى: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً .. إن ذكر قصة موسى بين المقدمة وبين هذه الآيات تشير بوضوح إلى أن ذكر هذه القصة من باب التدليل على أن هذا القرآن من عند الله، الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم كل شئ، ولو لم تكن المسألة كذلك ما كان القرآن ليقص علينا أنباء ما قد سبق بمثل هذه الدقة، فإذا أدركنا هذا عرفنا كذلك الصلة بين ما مر معنا من السورة، وبين محورها من سورة البقرة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ .. فالسورة تعمق الإيمان بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام من خلال الكلام عما أنزله من قبل وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ .. ولنكمل تفسير الآيات ملاحظين أن ما سنفسره الآن هو المجموعة الثانية من المقطع الثالث، وهي تشكل فاصلا بين قصة موسى وقصة آدم فتبدأ بذكر الحكمة من عرض قصة موسى، ثم تنطلق بما يخدم سياق السورة الخاص وسياق القرآن العام كما سنرى:
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ أي مثل قصصنا عليك من قصة موسى وفرعون نقص عليك من أنباء ما قد سبق من أخبار الأمم الماضية؛ تكثيرا لبيناتك وزيادة في معجزاتك.
قال ابن كثير فيها: أي: كما قصصنا عليك خبر موسى وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع، كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا أي من عندنا ذِكْراً أي وقد أعطيناك من لدنا قرآنا، وسمي القرآن ذكرا لأن فيه ذكر الله، ولأنه يذكر الإنسان، ولأنه يثير فكره واعتباره، فهذه واحدة من خصائص هذا القرآن، أن كل ما فيه من قصص وأخبار وتشريع وتقرير ذكر ومذكر، فكتاب هذا شأنه، وهذه بعض من خصائصه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله العزيز الحكيم.