ذلك: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسأله. فأتيته، فقعدت. قال فاستقبلني فقال: من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف» قال: فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية.
فرجعت فلم أسأله. وروى ابن مردويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف، وهو مثل سف الملة» يعني الرمل. ورواه النسائي كذلك.
٣ - ويحرم على الإنسان أن يسأل أصلا إذا كان له ما يكفيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا، أو كدوحا في وجهه» قالوا: يا رسول الله: وما غناه؟ قال:«خمسون درهما، أو حسابها من الذهب».
رواه أحمد، وأصحاب السنن الأربعة.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أي: الذين ينفقون أموالهم في كل الأحوال، والأوقات، لحرصهم على الخير، مسرين ومعلنين، في ليل أو نهار. فكلما نزلت بهم حاجة محتاج، عجلوا قضاءها ولم يؤخروه، ولم يتعللوا بوقت، ولا حال. فهؤلاء لهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون. وقد مر معناها من قبل. والملاحظ أن الجواب هنا مسبوق بالفاء.
وذلك لتضمن ما قبله معنى الشرط. فكأننا نفهم من ذلك أن الذين لهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، هم من تحققوا بهذه الصفة، من كونهم منفقين في كل حال.
روى ابن مردويه عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب كان له أربعة دراهم. فأنفق درهما ليلا، ودرهما نهارا، ودرهما سرا، ودرهما علانية.
وبهذا ننتهي من الكلام عن الفقرة الأولى في المقطع الثاني، لتأتي معنا فقرة نتحدث عن الربا، والصلة بين هاتين الفقرتين واضحة جدا. فالجانب المقابل للإنفاق في سبيل الله، هو الربا. فبقدر ما يدل الإنفاق في سبيل الله على النفس الخيرة، يدل الربا على النفس الشريرة الجشعة المستغلة. فإذ حض الله على الإنفاق، كان من المناسب أن يحذر عما يقابله. ولذلك تلاحظ أنه لم يفصل بين نهاية الفقرة السابقة، وبداية الفقرة