أن تنعى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، فقص عليه الرؤيا حتى إذا بلغ ذرع الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع قال: أما إحداهن فإنه كان خليفة، وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم، وأما الثالثة فإنه شهيد، قال: فقال: يقول الله تعالى ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فقد استخلفت يا ابن أم عمر، فانظر كيف تعمل، وأما قوله: فإني لا أخاف في الله لومة لائم فيما شاء، وأما قوله (شهيد) فأنى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به؟
[كلمة في السياق]
١ - نذكر هنا بما ذكرناه من قبل أكثر من مرة. وهو أن القرآن يعطي معاني من خلال المعنى الحرفي، ومن خلال السياق الجزئي، ومن خلال السياق الكلي، ونحن نلاحظ في هذه السورة كيف أن كل آية- أو عدة آيات- تسجل معنى، وكل مجموعة تسجل معاني محققة هدفا معينا، فأنت عند ما تقرأ المجموعة الأولى، أو المجموعة الثانية تلاحظ أنها تهدم شبهة الكافرين، وتلاحظ أنها تنذر وتبشر، وتلاحظ أن كل آية منها تعلم وتربي وهكذا ... ومن ثم كان إعجاز هذا القرآن لا ينتهي
٢ - رأينا أن المجموعة الأولى والثانية قد هدمت نفي الكافرين لأصل الوحي، ومن جملة ما رأيناه أن سببا من أسباب الإنكار للوحي هو الاطمئنان للدنيا، وعدم رجاء لقاء الله: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا ... وسنرى أن الآية الأولى في المجموعة الثالثة تحدثنا عن إنكار الذين لا يرجون لقاء الله لهذا القرآن: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ مما يؤكد أن السياق ماض في مناقشة الكافرين بالوحي، ومما يؤكد أن إقامة الحجة على الكافرين في أصل الوحي هو الجسر للوصول إلى مناقشة المرتابين بهذا القرآن
[المجموعة الثالثة]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا أي القرآن بَيِّناتٍ أي ظاهرات واضحات قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا أي لا يخافون البعث ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أي من نمط آخر أَوْ بَدِّلْهُ بأن تضع شيئا مكان شئ، وحكما مكان حكم قُلْ ما يَكُونُ لِي أي ما يحل لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي أي من قبل نفسي، أي ليس هذا إلي؛ إنما أنا عبد مأمور ورسول مبلغ عن الله إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ أي لا اتبع