المصدق لما معهم، وكيف أنهم في الوقت نفسه يتبعون الشياطين والسحر، بينما هم يزعمون كما عرضته علينا المجموعة الأولى أنهم لا يتبعون القرآن؛ لأنهم يؤمنون بما أنزل عليهم.
وبذلك كملت المجموعات الثلاث بعضها بعضا، فكانت فقرة واحدة إذ بمجموعها بينت كيف أنهم يتركون ما أمروا به، ويقتلون أو يكذبون من أمروا بمتابعته، ويتابعون من أمروا بمحاربته، ويعملون ما أمروا بتركه. ولنبدأ عرض الآيات:
[العرض والتفسير]
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ نبذه أي نقضه ورفضه وقوله فَرِيقٌ مِنْهُمْ يدل على أن الذي يتولى النقض هم البعض، قال الحسن البصري:«نعم ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم وينقضون غدا».
أقول: فعلينا أن نلاحظ دائما في التعامل معهم هذا المعنى، فمن لم يضع هذا المعنى في حسابه يكون من الغافلين، صحيح أن الذي ينقض العهد فريق، ولكن الآخرين يؤيدون النقض، ويقبلونه ويرضون به، إن لم يكن علنا فسرا أو ضمنا، هذا ما نأخذه من الآية بشكل دائم، ولكن إذا ربطنا هذه الآية بقوله تعالى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ فإنه يخرج معنا معنى مرتبط بموقفهم من الرسل، وقد سجل هذا المعنى ابن كثير: حين قال:
«وقال مالك بن الصيف (من اليهود) حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم: والله ما عهد إلينا في محمد وما أخذ علينا ميثاقا» فأنزل الله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ... فكأن الفريق على هذا التفسير هو الجيل من أجيالهم. قال ابن كثير:«قلت: فالقوم ذمهم الله بنبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها، ولهذا أعقبهم ذلك التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، الذي في كتبهم نعته وصفته وأخباره، وقد أمروا فيها باتباعه ومؤازرته ونصرته».
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إذا نظرنا إلى هذه الجملة من خلال التفسير الأول كان معناها: بل أكثرهم لا تظهر عليه ثمرات الإيمان من تمسك بالعهود ووفاء لها، وإذا نظرنا إلى الآية من خلال التفسير الثاني كان المعنى: بل أكثرهم لا يؤمنون بمن أخذ عليهم