نخالفك، كأنهم أشاروا عليها بالقتال، أو أرادوا نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة، وأنت ذات الرأي والتدبير فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ أي فانظري ماذا ترين نتبع رأيك، وهذا يدل على أنهم كانوا واثقين من رأيها، كما يدل علي أن وضع المملكة كان وضعا مستقرا، فماذا كان جوابها ورأيها؟
قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أي عنوة وقهرا أَفْسَدُوها أي خربوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً أي أذلوا أعزتها، وأهانوا أشرافها، وقتلوا وأسروا وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ هل هذه الكلمة تصديق من الله لها فيكون هذا الكلام ليس لها؟ أو هو تتمة كلامها بمعنى: وهذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير لأنها كانت في بيت الملك القديم فسمعت نحو ذلك ورأت؟ قولان للمفسرين. ولم يذكر ابن كثير إلا الأول، ورجح النسفي الثاني، ومن كلامها هذا يبدو أنها عازفة عن الحرب، ومخطئة لطريقه
ثم قالت: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ أي بقبولها أم بردها.
[فوائد]
١ - من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». وهذا يفيد أن السياسة العليا للدولة إذا أصبحت بيد المرأة فإن قراراتها لا بد أن يكون فيها خلل تسري آثاره على الأمة، وما من مرة في تاريخ هذا العالم حكمت فيه امرأة، ولو كانت أدهى النساء وأحزمهن، إلا تبينت بعد فترة، بعض الآثار السيئة لحكمهن، حتى فيكتوريا ملكة بريطانيا، وحتى كاترين ملكة روسيا، وهذه غولدا مائير وهذه أنديرا غاندي، وهذه باندارانيكا، والثلاث الأخيرات حكمن، وكل منهن سقطت وسقط معها حزبها، وقد عادت أنديرا إلى الحكم، ولكن وضع الهند متفجر والمستقبل كاشف، وفي قصة بلقيس مشاهد:
لا شك أن فكرة الهدية فكرة سياسية رائعة، إذ من خلالها تستطيع بلقيس أن تتعرف بواسطة رسلها على وضع سليمان وقوته. إذ بحجة الهدية يستطيعون أن يتجسسوا ويتحسسوا، كما أن للهدية العظيمة أثرا في تليين نفوس الملوك، فهي رشوة قد تفعل فعلها، ومن ثم قال قتادة رحمه الله:«ما كان أعقلها في إسلامها وشركها؛ علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس» ولكننا نلاحظ في الوقت نفسه أن قومها وقد أعلنوا استعدادهم للقتال، مع تفويض أمرهم إليها، لم تأمرهم بالإعداد، ولا بالاستعداد، بل ثبطت هممهم بقولها إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً ... ومن ثم فإنها لم تتخذ مجموعة