بدأت السورة بقوله تعالى طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى وهاهنا نجد قوله تعالى وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً لاحظ الصلة بين الذكر والتذكرة، ثم لاحظ الصلة بين الآية الآتية مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً وبين ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فليس الشقاء في اتباع القرآن، بل في الإعراض عنه، ثم لاحظ كيف أن قصة موسى كانت تذكرة وذكرا لمن يخشى، وهذا كله يشير إلى أن سياق السورة سائر على نسق واحد. ولنعد إلى التفسير:
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ أي من كذب بهذا الذكر وهو القرآن، وتولى عنه ولم يؤمن به فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً أي عقوبة ثقيلة سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها، بالحمل الثقيل
خالِدِينَ فِيهِ أي في الوزر، أي في جزائه وهو العذاب وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا أي وساء الحمل حملا وزرهم.
قال ابن كثير: وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم أهل الكتاب وغيرهم كما قال تعالى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ فكل من بلغه القرآن فهو نذير له، وداع فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ أي ينفخ إسرافيل فيه، ولنا عودة على ذلك في الفوائد وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً أي عميا وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق، ويمكن أن يراد زرقة أجسامهم من ثقل ما هم فيه
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ أي يتسارون بينهم، أي يقول بعضهم لبعض سرا لهول ذلك اليوم: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً أي ما لبثتم في الدنيا إلا عشر ليال، يستقصرون مدة لبثهم في القبور، أو في الدنيا؛ لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور، فيتأسفون عليها، ويصفونها بالقصر، لأن أيام السرور قصار، أو لأنها ذهبت عنهم، والذاهب- وإن طالت مدته- قصير الانتهاء، أو لاستطالتهم الآخرة، لأنها أبد يستقصر إليها عمر الدنيا، ويتقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ أي في حال تناجيهم بينهم إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أي أعدلهم قولا، أي العاقل الكامل فيهم إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً لقصر مدة الدنيا في أنفسهم يوم المعاد.
قال ابن كثير: لأن الدنيا كلها وإن تكررت أوقاتها، وتعاقبت لياليها وأيامها