وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء، والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي بما في القلوب، وهكذا من خلال العرض لوضع بعض الناس عرفنا الله على ذاته، فبعد أن أمرنا الله بعبادته عرفنا على ذاته وصفاته جل جلاله، أما هذا الوضع الإنساني فهو إما وضع منحرف لمنافقين وإما وضع هو أثر عن تصور خاطئ لمسلمين- كما سنرى في الفائدة اللاحقة- وأيا كان فإن السياق من خلال عرضه لهذا الوضع عرفنا على الله عزّ وجل الذي جاء الأمر بعبادته في أول هذا المقطع.
[فائدة]
من أقوال المفسرين في سبب نزول هذه الآية: أن ناسا كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه، فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك، فأخبرهم الله أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل يعلم ما يسرون وما يعلنون. قال مجاهد والحسن وعبد الله بن شداد: كان أحدهم إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وغطى رأسه. وروى البخاري عن ابن عباس فيها قال: أناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا بفروجهم إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم. فإذا كانت الآية في المسلمين فهي تصحيح لمفهوم مرتبط بالعبادة، فليست العبادة في الإسلام أن تخجل مما أباحه الله. وإن كانت في الكافرين والمنافقين فهي تصحيح لتصورهم عن الذات الإلهية، وأيا كان سبب النزول فالآية هي وما بعدها تعرفنا على الله الذي أمرنا بعبادته، إذ لا عبادة إلا بعد معرفة، وهكذا
يستمر السياق في تعريفنا على الله.
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ كل ما دب على الأرض فهو دابة إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها منة منه وتفضلا، لا وجوبا عليه تعالى، فهو مالك كل شئ، ويفعل ما يريد وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها أي يعلم أين منتهى سيرها في الأرض، وأين مكانها من الأرض ومسكنها وَمُسْتَوْدَعَها أي حيث كانت مودعة قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة، أو حيث تموت كُلٌّ أي كل ذلك من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو اللوح المحفوظ، أي إن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند الله، مبين عن جميع ذلك
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ تعليما للتأني وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قبل أن يخلق شيئا، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السموات والأرض، العرش علوي والماء سفلي،