للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجماعة. فالوضع السياسي والاجتماعي في الجزيرة كان وضعا قبليا مخلخلا. ومن ثم كان الذين يتولون إيذاء الفرد المسلم هم خاصة أهله إن كان ذا نسب، ولم يكن أحد غير خاصة أهله يجرؤ على إيذائه، ولم يقع إلا في الندرة أن وقع اعتداء جماعي على فرد مسلم أو على المسلمين كجماعة، كما كان السادة يؤذون مواليهم إلى أن يشتريهم المسلمون ويعتقوهم فلا يجرؤ أحد على إيذائهم غالبا. ولم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلم يحب أن تقع معركة في كل بيت بين الفرد المسلم من هذا البيت والذين لم يسلموا بعد. والمسالمة كانت أقرب إلى إلانة القلوب من المخاشنة.

ومنها أن البيئة العربية كانت بيئة نخوة تثور لصاحب الحق الذي يقع عليه الأذى.

واحتمال المسلمين للأذى وصبرهم على عقيدتهم، كان أقرب إلى استثارة هذه النخوة في صف الإسلام والمسلمين. وهذا ما حدث بالقياس إلى حادث الشّعب وحصر بني هاشم فيه. فقد ثارت النخوة ضد هذا الحصار، ومزقت العهد الذي حوته الصحيفة، ونقضت هذا العهد الجائر.

ومنها أن البيئة العربية كانت بيئة حرب ومسارعة إلى السيف، وأعصاب متوفزة لا تخضع لنظام. والتوازن في الشخصية الإسلامية كان يقتضي كبح جماح هذا التوافز الدائم، وإخضاعها لهدف، وتعويدها الصبر وضبط الأعصاب. مع إشعار النفوس باستعلاء العقيدة على كل نزوة وعلى كل مغنم. ومن ثم كانت الدعوة إلى الصبر على الأذى متفقة مع منهج التربية الذي يهدف إلى التوازن في الشخصية الإسلامية، وتعليمها الصبر والثبات والمضي في الطريق.

فهذه الاعتبارات وأمثالها قد اقتضت سياسة المسالمة والصبر في مكة، مع تقرير الطابع الأساسي الدائم للجماعة المسلمة: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ...... ) اه.

كلمة في السياق: [حول علاقة الفقرتين الأولى والثانية من المجموعة الثالثة ببعضهما البعض]

بيّن الله- عزّ وجل- في الفقرة المارة أنّ متاع الدنيا قليل، ثمّ بيّن أن متاع الآخرة خير وأبقى لمن توفرت فيه مجموعة صفات. وقد تبيّن لنا من مجموع ما ذكر في الفقرة أن الطريق إلى الدنيا والآخرة هو إقامة دين الله. والاجتماع عليه. وقد حددت المجموعة

<<  <  ج: ص:  >  >>