وفي هذا كذلك تدليل على وجود الله إذ ظاهرة القبض والبسط في هذا الكون إن في موضوع المال، أو فيما يتأتى فيه معنى القبض والبسط في عالم الأرواح والأجساد لا يمكن أن يعللها ذو فطرة سليمة إلا بوجود ذات خلقت وجعلت كل شئ في محله وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا أي وفرحوا بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر، لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم، ولم يقابلوه بالشكر حتى يؤجروا بنعيم الآخرة وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ أي إلا شيئا نزرا يتمتع به كعجلة الراكب، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سريعة، وهذا مما يغفل عنه الكافرون، ويتذكره المؤمنون، وفي هذا المقام يذكر ابن كثير حديثين:
ا- روى الإمام أحمد ومسلم عن المستورد أخي بني فهر قال: قال. رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع» وأشار بالسبابة.
ب- قال ابن كثير: وفي الحديث الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدي أسك ميت (والأسك الصغير الأذنين) فقال: «والله للدنيا أهون على الله من هذا على أهله حين ألقوه». أهـ.
..........
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إن الكافرين يقترحون الآيات من أجل أن يؤمنوا في زعمهم، وكأن أدلة الإيمان ناقصة أو غير كافية، إنه إن كان اقتراحهم الآيات من أجل أن يؤمنوا بالله، فالأدلة على وجود الله أكثر من كل كثير، أو من أجل أن يؤمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا القرآن أعظم آية، أو من أجل أن يؤمنوا بالقرآن ففيه من الإعجاز والآيات ما لا يحاط به، ومن ثم كان الجواب قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ أي ويرشد إلى دينه من رجع إليه بقلبه، وعلامتهم ما سيأتي من أوصافهم، والمعنى أنه هو المضل والهادي، سواء جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بآية على وفق ما اقترحوا، أو لم يجبهم إلى سؤالهم، فإن الهداية والإضلال ليسا منوطين بذلك.
[ملاحظة حول السياق]
في آيتي سورة البقرة اللتين هما محور هذه السورة قوله تعالى وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ وهنا قال تعالى: وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ هناك بين سبب إضلاله لمن