للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالمغتاظة عليهم استعارة لشدة غليانها بهم، وقال ابن كثير: أي: تكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها وحنقها بهم كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ أي: جماعة من الكفار سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أي: مالك وأعوانه من الزبانية توبيخا لهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي: رسول يخوفكم من هذا العذاب

قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ هذا اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه فَكَذَّبْنا أي: فكذبناهم وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ أي: مما تقولون أيها الرسل من وعد ووعيد وغير ذلك إِنْ أي: ما أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ هل هذا من كلام الكفار لرسلهم، أو من كلام الخزنة للكفار؟ قولان للمفسرين.

قال النسفي: (قال الكفار للمنذرين: ما أنتم إلا في خطأ عظيم، فالنذير بمعنى الإنذار، ثم وصف به منذروهم لغلوهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذارا، وجاز أن يكون هذا كلام الخزنة للكفار على إرادة القول، ومرادهم بالضلال: الهلاك، أو سموا جزاء الضلال باسمه كما سمى جزاء السيئة والاعتداء سيئة واعتداء، ويسمى المشاكلة في علم البيان، أو كلام الرسل لهم حكوه للخزنة، أي: قالوا لنا هذا فلم نقبله). ذكر تعالى في الآية عدله في خلقه، وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه

وَقالُوا أي: الكفار لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ الإنذار سماع طالب الحق أَوْ نَعْقِلُ أي: نعقله عقل تأمل ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ أي: في جملة أهل النار. قال النسفي: وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل، وأنهما حجتان ملزمتان. قال ابن كثير: (أي: لو كانت لنا عقول ننتفع بها، أو نسمع ما أنزل الله من الحق لما كنا على ما كنا عليه من الكفر بالله والاغترار به، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم)

فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ أي: بكفرهم في تكذيبهم الرسل فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ أي: فبعدا لهم عن رضى الله وكرامته، اعترفوا أو جحدوا، فإن ذلك لا ينفعهم

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ قال النسفي: أي: قبل معاينة العذاب لَهُمْ مَغْفِرَةٌ للذنوب وَأَجْرٌ كَبِيرٌ أي: الجنة. قال ابن كثير في الآية: (يقول تعالى مخبرا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه، إذا كان غائبا عن الناس فينكف عن المعاصي، ويقوم بالطاعات حيث لا يراه أحد إلا الله تعالى، بأنه له مغفرة وأجر كبير، أي: تكفر عنه ذنوبه ويجازى بالثواب الجزيل)

ثم قال تعالى منبها على أنه مطلع على الضمائر والسرائر وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ أي: ليستو عندكم

<<  <  ج: ص:  >  >>